خلّد القرآن الكريم ذكر أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام حينما أكرم الملائكة، فقال: (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون (24) فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين (25) فقربه إليهم قال ألا تأكلون) [الذاريات: 24 – 26]، وكيف أكرمهم وقدّم لهم الضيافة وهو لا يعرفهم؟. إن صفة الكرم صفة عظيمة وكريمة من صفات العرب قبل الإسلام، فجاء الإسلام فهذبها وعززها، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) صححه الألباني، وإن مردّ هذه القيمة الجليلة على كرم النفس وطيبها وتقديمها للمعروف سواء كان ماديا كالأموال وإكرام الأضياف ونحو ذلك، أو كان معنويا كسماحة النفس والتغاضي عن الأذى والصفح عن المسيء ونحو ذلك، وإن بذل المال بالصدقة المتطوعة سواء في الصدقات العامة أو الأوقاف لا يخرج إلا من نفس طيبة كريمة، آثرت الباقية (الآخرة) على الفانية (الدنيا) فالكرم يبعث على بذل المعروف وإسدائه لجميع الناس، فإذا وافق ذلك حاجة كان أدعى للمسارعة إليه والسبق فيه. وجاء في السنة النبوية ما يفيد هذا المعنى أيضا ففي صحيح البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبّة من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت -أو وفرت- على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع». ومن صور كرمه صلى الله عليه وسلم أنه تجرد من ماله كله في سبيل الله تعالى، وأنه ما سئل شيئا إلا أعطاه حتى إنه ربما أعطى الرجل من البادية غنما بين واديين، فكان بذلك القدوة الحسنة لأصحابه رضي الله عنهم، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر..) [الأحزاب: 21]. ومما يشير إلى قيمة الكرم في أحاديث الوقف جعل إكرام الضيف أحد مصارف الأوقاف، كما في حديث وقف عمر رضي الله عنه من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «فتصدق بها عمر أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف» فلم ينس من كرمه رضي الله عنه أن يجعل لضيفه من مصرف هذا الوقف المبارك.