بقلم | د. محمد بن سعيد بن كدم الكرم من الأخلاق العظيمة والخصال الحميدة التى يتصف بها أصحاب النفوس السخية، فالكرم من شيم النبلاء. قال أحد الحكماء: أصل المحاسن كلها «الكرم» وأصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام، وسخاؤها بما تملك على الخاص والعام، والكرم من أبرز صفات القبائل العربية قبيل الإسلام، وقد أقر الإسلام هذه الخصلة الحميدة، فلقد بين الله سبحانه وتعالى لعباده أن الكرم صفه من صفاته عز وجل والكريم اسم من أسمائه تعالى ، ولذلك فإنه سبحانه وتعالى حبب لعباده الكرم، وأمرهم ببذل المال في وجوه البر وإكرام الضيف وإعانة المعسر ابتغاء مرضاته، ونهاهم عن الشح والبخل. قال تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنه عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} وقال سبحانه {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبه أنبتت سبع سنابل في كل سنبله مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} وقال أيضاً:{فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى} كما تعددت الأحاديث النبوية التي تدعوا المسلمين للبذل والسخاء فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ) وعن على رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة غرفاً يرى بطونها من ظهورها وظهورها من بطونها ) فقال أعرابي: لمن هي يا رسول الله؟ قال: ( هي لمن طيب الكلام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام ). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم قدوة عملية للمسلمين في الكرم سخاء النفس فعن جابر رضي الله عنه قال: ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قط، فقال: لا. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليله في رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة. وأتاه صلى الله عليه وسلم رجل فسأله فأعطاه غنماً سدت ما بين جبلين، فرجع إلى قومه، وقال: أسلموا، فإن محمداً يعطى عطاء من لا يخشى الفقر.
ومع ذلك كله فإن الإسلام حذرنا من التبذير و الإسراف وكل سبب يؤدي بصاحبه إلى الكبر، وطلب العلو في الأرض، يقول الله عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚإِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، وقال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا،إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً} وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة) ولذلك فإن الإسراف قد يستلزم المخيلة، وهي الكبر، فإن الكبر ينشأ عن فضيلة يجدها الإنسان من نفسه، قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}. ولذلك فإن المال المبذول في وجوه الخير لابد أن يكون من مال طيب وكسب حلال لأن الله طيب لايقبل إلا طيبا ليس فيه إسراف ولامخيلة ولاطلب شهرة.
وهناك نماذج رائعة في مجتمنا من إكرام الضيوف وإعانة المحتاجين والمساعدة في إخراج المساجين وسداد الدين عن المعسرين والسعي في إصلاح ذات البين ولا يملك المسلم إلا الدعاء للمحسنين ونسأل الله أن يكون عملهم خالصاً لوجهه، ويجب علينا جميعا الابتعاد عن الإسراف والتبذير والخيلاء لنرضي ربنا ونشكره سبحانه على ماأسبغ علينا من نعمة الظاهرة والباطنة. وليعلم الجميع أن هناك فرق عظيم وبون شاسع بين من كان كرمه وبذله ابتغاء مرضاة الله وبين من كان بذله إسرافاً ومباهاة وعلواً.