يحكي لنا التاريخ والتجارب أن الأزمات تحدث في كل زمان ومكان، بأنواعها: أزمات طبيعية تحدث دون تقصد من جهة معينة، كالأوبئة والجفاف أو الفيضانات والأعاصير، أو الزلازل، وغيرها. وأزمات تحدث نتيجة وجود تقصير أو إهمال إنساني، مثل كوارث الطائرات، والقطارات، والحرائق، وانهيار المباني. وأزمات متعمدة، مثل الحروب، وعمليات الإرهاب. "إعلام مؤدلج" وهنالك عدة عوامل يمكنها أن تقلل من مظاهر وأضرار الأزمة، أحدها إعلام الأزمات المحتاط التنويري الإرشادي، المواكب لمجريات الحدث. غير أن تدخله وفي حالات الضعف وعدم التحكم والقدرة والمصداقية يصبح تدخلا عكسيا مغرضا، يزيد من تفاقم حجم الأزمة وزيادة تشعبها، وطول مداها. الكينونة السعودية عصية على المخربين.. وكلمة الوطن هي الأقوى والإعلام كان وما زال مؤثرا في الأزمات، حتى بعد تطور نظرياته وأدواته ووسائله من تقنية، وإنترنت سمحت بالمشاركة الجماعية من قبل الجمهور، بحيث أصبح كل فرد على وجه الأرض عنصرا إعلاميا مفترضا، يستطيع المشاركة في صنع الأزمة بالترويج لها، وتغيير معطياتها بنشر الإشاعات، وتأكيد حدتها من عدمه، نظرا لتعدد أطياف وأغراض المشاركين وتوجهاتهم. واقع يفرض نفسه بأن جميع وسائل الإعلام قادرة على المشاركة في تسريع الأزمة، أو تعظيمها، أو التشكيك فيها، أو أنه على الجانب الآخر يعمل على تشتيت الانتباه عنها، في حال كان الإعلام مغرضا، يسعى إلى تكوين صورة غير حقيقية عن الحدث، لمصلحة داعم، أو مصلحة، أو أيدلوجية أخرى. "الصحافي خاشقجي" ذلك الحدث، الذي هز أركان العالم في فترة من الزمن، وتمت متابعته عالميا بالدقيقة والساعة، من خلال قنوات إعلام مغرضة، وجدت فيه الغرض، والتأثير، والهدف الأبعد، وتطبيق نظريات إعلام الأزمات ميدانيا، بتحويل الجريمة المتفق على بشاعتها، إلى قضية دولية لا يمكن الإحاطة بزواياها، وأغراضها وتداخلاتها، ولا يمكن التنبؤ بما ستنتهي إليه. "استهداف المملكة" نزولا عند قيمة المملكة العربية السعودية، على جميع المستويات بمحوريتها وزعامتها العربية، وقيمتها الروحية عند المسلمين، وكونها فاعلة على مختلف المجالات والأطر الدبلوماسية، ومحاربة الإرهاب، ووضوح سياستها المناهضة لقوى الشر وفضح محاوره، وحضورها البارز عسكريا وتحالفاتها، مثل ما شهدناه في حرب اليمن، والأهم من كل ذلك ترقيها في المجالات الإنسانية والاقتصادية والنهضوية والسياحية، وبما ظهر جليا بعد تولي خادم الحرمين الملك سلمان للحكم، وتبني الدولة الرؤية الجديدة، التي نهض بها وأبرزها وجعلها أنموذجا عالميا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وما من شك في أن شخصية محمد بن سلمان، ذلك الشاب الباحث عن خير الوطن، كانت السبب الأقوى والأكبر لتفاقم مشاعر كره الحاقدين، وتأليبهم، وتفانيهم لإظهار وتكريس الإساءات إليه، نظرا لخوفهم الشديد من أن وجوده إن استمر، فإنما ذلك نذير بإحباط أعمالهم الشريرة، وتحجيم إرهابهم، وتقليص فوضاهم، التي يدعون أنها خلاقة، وهي مدمرة لعموم حضارات الشرق الأوسط، وواعدة بعودة أيام الاحتلال، وتأكيد تهجير الشعوب العربية، بعد تدمير أوطانهم وحياتهم، وحرق أراضيهم، ونشر وترسيخ الفرقة على أيدي من حضروا من شتات الأرض، ليستحلوا الأوطان، ويقذفون بالشعوب إلى بحار الخوف، على أعواد الرجاء، باحثين عن وطن في الخيال، وإن وصلوا إليه عاشوا على أشواك العنصرية، وتحت وطأة ذل الأمن ولقمة العيش. "الجزيرة وتوابعها" قناة الجزيرة القطرية وتوابعها من قنوات الإعلام الأجير - كيان مدعوم بالأموال القطرية المتوحشة، منذ نشأتها قبل عقدين من الزمان على رؤية توجيه مقتنيات ومكتسبات الشعب القطري، وتسخيرها لأيدي كل من ترفضه بلاده الأصلية، وممن يجدون في أنفسهم قدرة التغيير الشرير، وخيال التدخل التدميري، من خلال رسم الصور المدعية للمثالية، ومراقبة كل زوايا العالم لإظهار الخلل، بعيدا عما يحدث في الداخل القطري. قنوات فكر مشوه، بعثي، إخواني، إرهابي، صهيوني، إيرانية، عملت على تشويه الواقع العربي، ونشر الفتن وتأجيجها، وتوجيه السهام إلى الأماكن نفسها، التي طرد منها إعلاميو الجزيرة من شذاذ الآفاق، من وجدوا في أيديهم كامل الصلاحية، والحيلة، والوسيلة. لا شك أن الجزيرة، ليست فقط قناة إعلامية، ولكنها نهج وأيديولوجيا عصابات ظلام سياسي كانت تستبسل لتقف مع الشرير، وتستميل التائه، وتدرب المتطلع، وتوظف من يستطيب ويعزف ألحانها النشاز. وكانت أموالها المغرية قادرة على شراء الألسن الرخيصة، وتسخير قنوات الإعلام، الذي كان يوما من الأيام يدعي حرية الرأي والديمقراطية، فمن عجب أن وجدنا عدوى التدني تنتشر، وتفترس قيمة إعلام معتدل كنا نعتقد، بل نجزم بأنه لا يكذب، ولا يسلم قياده للظلام، ولا يمكن أن يشترى، مثل وكالة رويتر، وقنوات أميركية ديمقراطية مثل السي إن إن والواشنطن بوست والديلي ميل، وغيرها، التي ظلت تتصيد الأزمات الداخلية في الداخل الأميركي، بعد وصول الرئيس ترمب إلى كرسي الرئاسة، بهجمات منظمة ظلت خلالها توجه أصابع الاتهام المختلفة لترمب والبيت الأبيض. ولأن الخير يخص، والشر يعم، فقد وجدت تلك القنوات من خلال توافق الرئيس ترمب مع حكام السعودية، الطريق والوسيلة، في استغلال قضية خاشقجي، لإسقاط قيمة ترمب في أعين منتخبيه من الشعب الأميركي، وبالتالي عزله عن الرئاسة، بتضخيم وتحوير أزمة مقتل خاشقجي، بعد أن فشلوا في إسقاطه من خلال استغلال أزمات التخابر مع روسيا، وأزمة علاقاته مع النساء، وأزماته مع العنصرية والمهاجرين. سلسلة قنوات الظل التابعة لإيران، تلك التي زرعتها طهران في مناطق نفوذها العسكري، بدءاً من مستعمرتها في لبنان إلى العراق، إلى سورية إلى اليمن، التي وجدت في أزمة مقتل خاشقجي وسيلة سانحة لها للخروج من الضيق الذي تعيشه، ولتوجيه أنظار العالم إلى نقطة بعيدة عن ممولتهم الأكبر وراعيتهم إيران، التي حاصرها الرئيس ترمب وخنقها. القنوات الحزبية، المشبعة بالفكر الإخواني، التي وجدت لها مصداقية عند من تناسب تخاريفها هواهم، فكان اللعب البهلواني على كل الحبال، وكان التسريب، وكان الكذب، والتلميع، وكان الفحش، وكان الاستغلال الأمثل للأزمة. حناجر مسعورة استغلت قضية خاشقجي..ووطنية أسرته ألجمتهم "ذباب التواصل" قنوات التواصل الاجتماعي برموزها، ومشاهيرها، وذبابها، ومحركها الداعم الرئيس في إيران، وقطر، استبشروا بتلك الأزمة، التي أتاحت لهم فرصة الظهور، وأعطتهم القدرات على المشاركة بالرأي، مهما كان سخيفا أو شاذا، قبيحا، ومهما كان لا يدل إلا على أنفس مريضة، بعد أن وجدوا لهم منفذا نفسيا، للبوح، والصراخ، واللطم، وندب الحظ العاثر، الذي كانوا يعيشونه. المعارضون للسعودية ولدول الخليج العربي، ومحبوهم، وهم شريحة من البشر التعساء، القمة في الخيانات واستغلال الفرص والأزمات، باعتبار أنهم لا يمتلكون مشاعر الولاء والوطنية، وحب الخير لمجتمعاتهم، فنبحوا مسعورين بتطلعاتهم اللاهثة، والطامعة في سلطة لا تتحقق، فكانت قضية خاشقجي فرصة جديدة لا تقدر بثمن عندهم، فابتهجوا بها، وظنوا أنها القشة، التي ستقصم ظهر الدولة السعودية، وتحقق أمنية خراب يتمنونه، حينما تفقد السعودية أمنها وتلاحم شعبها مع قيادته، غير أن معادلة الكينونة السعودية الصعبة، ظلت عصية على كل طامع ومخرب. "الإعلام السعودي" مما لا شك فيه أن الإعلام السعودي قد أخذ بالدهشة في بداية أزمة خاشقجي، وأنه قد احتاج بعض الوقت للتأكد من المعلومة، حتى يتمكن من صد بعض تلك الهجمات الشرسة، التي لم يواجه مثلها مسبقا. وقد بدا جليا أن الإعلام السعودي لم يكن مهيأ لما يعرف بإعلام الأزمات المضادة، فكانت محاور انطلاقه مشتتة، وكان رواده يجابهون الأزمة بشبه فردية، ويردون على الاتهامات دون خطط مسبقة مدروسة ممنهجة. ورغم كل ذلك فقد تمكن الإعلام السعودي، وإعلام الدول الصديقة من تلاحق سير الحدث، ومجاراة بعض ما كان يحدث، ومحاولة رد التهجم ونزع الفوضى، وإجلاء الشكوك، بأمل الفوز، والاكتساح الكامل لساحات تلك الأزمة الملتهبة، والخروج منها بأكبر الفوائد والثمار. "كلمة الشعب" لقد كان مبهرا نوع وكم الوطنية بين أفراد الشعب السعودي، خصوصا من فئة الشباب، ممن تجمعوا على قنوات التواصل الاجتماعي، بعد أن اشتدت الأزمة، وتعاظم الضرب من كل الجهات، فاتضحت بينهم اللحمة، وما كان منهم إلا أن وقفوا في صفوف عديدة وعلى منابر مختلفة، للذود عن وطنهم وعن قيادتهم، ضد من أساء وسرب، وضد من زاد تنوع الخبث، وحاول التصيد في المياه العكرة. لقد دخل الشباب السعودي في محاولات عظيمة لإسكات جميع أصوات النشاز، التي أحرقت أسماع وأعين وعقول ومشاعر كل محب للوطن السعودي. ولو نظرنا إلى تفاعل الشباب السعودي لوجدناه في عمومه قويا، بما احتواه من يقين ومحبة وإخلاص، غير أنه كان يحتاج في بعض زواياه إلى التهذيب، وإلى منع الانجرار بسهولة إلى مناطق السوء، من خلال الاعتماد على المنطق، والمعلومة، والمصداقية، حتى يكون مفعوله أسرع، وأشمل، وأعظم، باعتبار أن التسرع والكره والشطط، ليس سلوك الوطن السعودي، وأن إعلام أزمات العدو يستطيع التصيد من خلاله، واعتباره مناطق ضعف، وخبل، وقرينة تضاف إلى أوهام تهمهم. "أسرة خاشقجي" حاول الإعلام المأجور الإساءة للسعودية، إعلاميا، وسياسيا، وقضائيا، وشعبيا، لولا أن الأحداث الحقيقية بدأت تتكشف في قضية خاشقجي، شيئا فشيئا، بصدور بيانات سعودية سياسية رفيعة المستوى، ومن تقارير قضائية أتت على لسان النيابة العامة السعودية، وما تبع ذلك من تولي السعودية زمام الأمور في تلك الأزمة، والبدء في القبض على المتهمين، وتقديمهم للعدالة، والمطالبة بعقابهم، ما وضع الحقائق حجة قوية أمام الزيف الدعائي، والاستغلال الإعلامي، والكذب، والتسريبات الصحافية، والتضخيم المُبالغ فيه، حتى بلغت قمة الأحداث، بما قاله الرئيس الأميركي ترمب، عن أن القيادة السعودية بعيدة كل البعد عن الجريمة، وأن القضاء السعودي قادر على حل القضية، والوصول إلى عدالة، وأن القضية لا يمكن أن تزيل ما بين البلدين المتحالفين من علاقات قديمة راسخة. وكان لأسرة خاشقجي دور إيجابي وطني مشهود في إطفاء لهيب الأزمة، التي ظن الأعداء أنه سيحرق السعودية، ولكنه ما لبث أن أحرق كل خططهم، ورمد خيباتهم. "أدوار منتظرة" تقوم بعض الدول بتكوين فرق علمية عملية لدراسة ومواجهة الأزمات، بحيث تكون الفرق مطلعة سباقة خارجة عن الصندوق، تعتمد على الفكر التنبؤي الإنذاري المستقبلي، وتعتمد على المبادأة والابتكار، وتعمل على تدريب العاملين في جميع القطاعات الحكومية حتى لا تتكرر الأزمات. "وزارة الإعلام" لا شك أن أزمة قضية مقتل خاشقجي قد مرت بسلام، ولكن إعلام الأعداء الانتهازي المستغل للفرص، يظل متيقظا ويدفع الكثير، ويخطط، ويبحث، ويتصيد، ولذلك فلا يغيب عن وزارة الإعلام إيمانها بصنع فريق وطني مضاد من الإعلاميين ذوي الخبرة، ومن الشباب المتحفز، ومن المثقفين العارفين بخبايا الأمور، ليكونوا متهيئين لأي أزمة متوقعة، أو تخيلية غير متوقعة، وأن يقوموا بتجهيز عدة سيناريوهات إعلامية، ووضع الخطط المناسبة لاحتواء ومواجهة كل أزمة على حدة، ووضع الحلول المبتكرة، وأن يكون هذا الفريق جاهزا، للمواجهات المقبلة، وأن يتم تكريسهم للدفاع، ودون الهجوم غير المبرر، وذلك لإضفاء مزيد من عمق اليقين السعودي التاريخي الثقافي، ولمزيد من احترام الغير لنا، ولما نسعى إليه من خير واستقرار وسلام للداخل السعودي، ولكل بلد محب للسلام، وكل صديق وحليف وحبيب. د. شاهر النهاري