فضيحة من العيار الثقيل تجتاح الأوساط الإعلامية في الولاياتالمتحدة هذه الأيام عقب اعتراف صحيفة الواشنطن بوست في تقرير مثير بأنه تم اختراقها مهنياً من قبل مؤسسة قطرية عبر دس مقالات على صفحاتها تهاجم السعودية وقيادتها ومشروعها الإصلاحي في المنطقة باسم كاتب رأي سعودي.. فضيحة لأن هذه الصحيفة تحديداً هي من حملت لواء الحملة الأخيرة على المملكة ومارست صنوف التشويه والكذب وإرهاب الأصوات المعتدلة في الداخل الأمريكي التي شككت في نوايا البروباغندا التركية القطرية، أو حتى التزمت الحياد لحين ظهور كامل الحقائق حول قضية خاشقجي. والواضح حتى الآن أن قرار الصحيفة الأمريكية بنشر التقرير الفاضح بكل ما تحمله الكلمة من معنى لمحرريها وسياستها جاء بعد اكتشافها أن هناك وسائل إعلام أخرى تعمل على نشر هذه المعلومات الجديدة بالأدلة والوثائق وهو ما سيضرب صورتها ومصداقيتها ضربة قاصمة، ولذلك لم يكن أمامها خيار لمواجهة الأزمة التي تنتظرها سوى اتباع سياسة «بيدي لا بيد عمرو»، مع تمرير مبرر لحفظ ماء الوجه على الأقل، وهو أن محرريها لم يكونوا على علم بتوظيف القطريين قلم أحد كتابها لابتزاز السعودية وتشويه صورتها، بل ونشر مقالات تُكتب من قبل المخابرات القطرية والتركية تحت اسمه أيضاً. في الثقافة الشعبية العربية يُوصف الشخص الذي يتم خداعه بسهولة في موقفٍ ما بأن خادعيه «لبّسوه الطاقية»، وهذا بالضبط ما حدث للواشنطن بوست إذ «لبّسها القطريون والأتراك ومن خلفهم التنظيم الدولي للإخوان الطاقية»، لتصحو على هذه الفضيحة المدوية التي ستكون تداعيتها كبيرة على صورتها ليس في الداخل الأمريكي وحسب، وإنما على المستوى الدولي، خصوصاً في ظل تباهي هذه الصحيفة المستمر بمصداقيتها عبر عقود لدرجة إنتاج فيلم سينمائي شهير يحمل اسمها ليعزز هذا الأمر. لكن هناك أسئلة ينبغي طرحها على هذه الصحيفة المخدوعة في خضم أزمتها الجديدة وهي كم كاتبا يا تُرى من كتابها مُستخدماً من قبل جهات استخباراتية لنشر الألاعيب والأكاذيب وتمرير الأفكار التي تتعارض مع المصالح الوطنية الأمريكية؟ وما موقف الصحيفة الآن من وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لها ولغيرها من وسائل الإعلام ب «عدوة الشعب الأمريكي» إن كان لها موقف جديد، وكيف ستتعامل الصحيفة مع محرري صفحات الرأي فيها الذين أدخلوها في هذا النفق المظلم؟ وأخيراً هل لديها الشجاعة لتتقدم باعتذارها للسعودية وقيادتها وشعبها عن انخراطها في مؤامرة استخباراتية سياسية فاضحة دون علمها؟ الأكيد أن الواشنطن بوست اليوم دخلت في مواجهة تاريخية مع الأوساط الإعلامية الأمريكية قبل غيرها، وهي في وضع مأساوي جداً لا تُحسد عليه، إذ إن الحقيقة المكتشفة أخيراً نسفت تماماً صدقية حملتها التي شنتها على السعودية والرئيس ترمب طوال الأشهر الماضية، والمتوقع أنها ستتحول إلى مادة دسمة خلال الأيام القادمة لبرامج التوك شو الأمريكية الساخرة وصحافة المحافظين التي لن يتوانى عن صلبها وتعريتها على أعمدتها بسلطنة و«مزاج عالٍ». * كاتب سعودي Hani_DH@ [email protected]