وصلت الأوضاع المحيطة بشركة يوكوس النفطية الروسية العملاقة حدا خطيرا بات يستنهض ردود فعل خارجية بالغة الحساسية عبر سيناريوهات من الصعب تحديد بواعثها وآفاقها. فقد اضطرت يوكوس إلى الالتجاء إلى القضاء الأمريكي بعد شعورها بالحصار المطبق في روسيا وانغلاق جميع الطرق نحو الحلول الوسط حتى باتت هذه الإشكالية جنائية في المسار القانوني شكلا واقتصادية -سياسية في الآفاق والانعكاسات مضموناً. فقد لجأت يوكوس إلى خطوة حساسة كان من الواضح أنها تقصد إحراج المؤسسات القضائية الروسية ومن يقف خلفها حيث توجهت إلى محكمة هيوستن الأمريكية تلتمس إصدار قرار عاجل يمكن أن يوقف عملية بيع فرعها الأكثر فاعلية وهو شركة يوغانسك نفط غاز عبر تأسيس قانوني يرهص لإعلان الإفلاس ويحول دون الانهيار الحاسم حفاظا على حقوق ومصالح المساهمين داخل وخارج روسيا رغم أن الإدارة القانونية في الشركة تدرك تماما أن قرار المحكمة الأمريكية لا يملك مصداقية تنفيذية ميكانيكية في روسيا. ترافق ذلك بإعلان ثلاثة من مديري الشركة عن تقديم استقالتهم معللين ذلك بصياغة تعمق من هذا الضغط على الحكومة الروسية والكريملين على حد سواء بأنهم لم يعودوا قادرين على العمل وتأدية واجباتهم والتزاماتهم في الوضع الناشئ حول الشركة. كما اتخذ مجلس الإدارة قرارا بدعوة المساهمين إلى جلسة طارئة شاملة في يناير القادم لوقف صلاحيات مجلس المديرين الحالي وانتخاب مجلس جديد قد يكون أشبه بلجنة تأبين أو بولادة جديدة نوعية شاملة تغير جميع الموازين والأوراق على ضوء المستجدات النوعية الحاسمة. أطروحات من هذا النوع كان لا بد أن تعطي انعكاسات خطيرة في أسواق البورصة التي باتت كالمنشار في تآكل قيمة أسهم الشركة التي انخفضت أسعارها في يوم واحد بما يزيد عن 11٪ في بورصة موسكو مما استدعى إيقاف عمليات البيع والشراء بل ووصل الانخفاض في أسعار أسهم هذه الشركة حدا مروعا في بورصة لندن تجاوز 17٪ مما اعتبر حداً كارثياً يبرر إلى حد كبير توجهات يوكوس إلى القضاء الأمريكي في محكمة هيوستن أملاً في إنقاذ سريع ولو مؤقت وكرسالة عاجلة إلى البيت الأبيض الأمريكي بضرورة طرح الثقل السياسي قبل فوات الأوان خاصة أن يوم الغد الأحد التاسع عشر من ديسمبر هو الحد الفيصل في طرح شركة يوغانسك نفط غاز للبيع في المزاد العلني لتسديد مستحقات ديون الشركة من الضرائب للخزينة الروسية. وهنا جاء التجاوب السريع من واشنطن التي عبرت بصياغة حاسمة عن قلقها الذي يحمل في ثناياه الكثير من التحذيرات لموسكو ولو بأسلوب دبلوماسي ملطف. فقد أعلن المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية ريتشارد باوتشر أن بلاده قلقة من مسار قضية يوكوس وما يمكن أن تشكله من نتائج على الاقتصاد والبيزنس في روسيا.. مركزاً بشكل خاص على تأمل واشنطن في موقف الحكومة الروسية تجاه احترام العقود القانونية مع الشركات المستقلة ومدى تأثير كل ذلك على المناخ الاستثماري وآفاق التطور في روسيا وبشكل خاص في قطاع الطاقة. وأطروحات كهذه تحمل ضمنيا التلويح بإعادة النظر بمجمل الاتفاقات واسعة الطيف بين موسكووواشنطن لتعميق التعاون في مجال الطاقة على المدى الاستراتيجي وهو أمر أكثر من خطير وحساس بالنسبة للتوجهات الروسية نحو تكريس البدائل النفطية للأسواق الأمريكية بما في ذلك من الشرق الأوسط. وهذه الرسائل تحمل تحذيرات وتنبيها بأن الأمور وصلت إلى الحدود الحمراء التي لا يجب تجاوزها.. ولكن لموسكو مع ذلك رؤيتها واحتياطيها للرد الذي ستظهر مجساته في الأيام وربما الساعات القليلة القادمة.