العالم كله والناس أجمعون توّاقون إلى النجاح، لا أحد يطيق الفشل؛ ولهذا الكل يطلق ساقيه لتيار الريح المعاكس لهبوب الهزيمة. مئات الكتب، المحاضرات، الدروس والحكم عن النجاح وأدبياته وطرقه وكيفية الوصول إليه، قصص وسير الناجحين تتداول بانهمار وتروى لينتعش بها أهل الأحلام؛ ولتوقد بها شرارة الهمم، فيسقى الحلم بحلم الآخر ولذة الوصول التي تدسدس تفاصيل الإرهاق والإحباطات الغامقة والصعوبات الثقيلة والكثيف من الفشل، وتطل متوارية أو تمر مروراً لا يكاد يلحظ. العبرة ليست بمحطة الوصول، إنما بالرحلة والخطة والتحضير لها. لماذا نتجاهل فشل الآخرين ونستعر من فشلنا ونتفاداه؟، أليس من الأجدى أن نقرأ وندرس ممن فشل وأن نعدل من النظام التعليمي الذي يرسخ لدى الفرد أن عليك تحقيق هدف واحد وهو (النجاح) في آخر الأمر، وكذلك أسلوب تربيتنا للأطفال حيث إننا نرفض تكرار تجاربهم التي تفشل مرة تلو الأخرى عدا محاولات تعلم المشي! إن في تعاطينا مع الناجحين والنجاح خطأ نرتكبه دون أن ندري، إننا نسلط الضوء على النهاية السعيدة ونمر بسرعة البرق على آلاف من ساعات العتمة، لهذا فإن المرء يتحمّل أحمالاً ثقال تطالبه أن يخبّئ فشله حتى ينجح، أو إلى جهله بعدد وثقل المرات التي فشل فيها ذاك الناجح الأنموذج، وإلا سيسقطه الفشل دون أن يقوى على الوقوف مجدداً. نريد أن نقرأ كتاباً عن قصة فشل دون نهاية سعيدة، ونحتاج إلى شخص شجاع يروي لنا قصة محاولاته غير المجدية، وهنا القصة ستكون مؤثرة، محثة على طرح الأسئلة العميقة، فحيثما فشلنا نكون قد أصبحنا على دراية أعمق بذواتنا ومكامنها. لكن ما دمنا نعلم أننا وأثناء حماستنا في الاستماع إلى الصعوبة التي يليها النجاح فإننا عندئذ نخوض تجربة رومانسية تدغدغ الأحلام وتأثيرها قصير وقصير جداً. يقول أحد أغنى أغنياء العالم وارين بوفيت: "أحب دراسة الفشل، يقول شركائي إنني أفعل ذلك لأرى أين سأموت حتى لا أذهب لذاك المكان". فمن المهم أن نتعرف على أشكال الفشل وألوانه وأطواله، أين يسكن ومن هو على صلة به، وأين أماكن وجوده، كأنما نبحث عن مشتبه به لنحمي أنفسنا من أذيته وشروره، لأن بعض الفشل في الحياة أمر لا مفر منه. يقول مارك مانسون: "يأتي قسم كبير من خشية الفشل أننا اخترنا قيماً سيئة. على سبيل المثال، إذا كنت أقيس نفسي وفق المعيار التالي: أن أجعل كل من أقابله يشبهني، فسوف أظل قلقاً لأن الفشل يتحدد بنسبة مئة بالمئة من خلال أفعال الأشخاص الآخرين وليس من خلال أفعالي أنا، لأنني لا أستطيع التحكم بهم ولا بأفعالهم".. إن دراسة الفشل أنجع من دراسة النجاح، ولأن لكل منا قيمه ومقاييسه فالتجربة هي سيدة الموقف لتساعدك على التعرف على نفسك وصنع قاعدة نجاحك الخاصة.