كل شاعر حال تأثره بالشيء والموقف المحفز للتعبير والمحرك لرغبته وقبل أن يقول شعراً؛ لابد أنه رأى في مخيلته مسيرة الفكرة بعد أن تبلورت ونضجت لديه ممزوجة بالحماسة التي عادة ترافق الاستجابة للموقف، حتى وإن كان يعتقد أن الفكرة بادرت إلى محيطه فجأة إلا أن أبعادها وما يريد أن يبوح به قد تصوره أمامه وكأنه يسير في طريق مضيء فهو يعرف ما يريد قوله ابتداء ويدري بكل الاتجاهات، وبوصلة القصيدة أخذت وجهتها عنده، وهذا الوضوح هو الذي يتسبب في ورود المعاني يمنة ويسرة منهالة بل سيالة كما الينابيع تصب في بحر ألفاظه، وربما اعتقد أن الكم اللغوي والمفردات لديه وثقافته هي وحدها التي جعلته يغرف منها مستعذباً عطاءها، والحقيقة أن الوضوح للفكرة وتفاعله وحماسته معها هو السبب الأول، وأما بقية العوامل فتأتي لاحقاً كروافد تدعم مثل هذه الحماسة، ولو انتظر فترة خمدت جذوتها المشتعلة وانطفأت، وغابت معالم المسار الذي ارتسم للفكرة وربما تراجع الشاعر كلياً عن نظم قصيدته عن الموقف الذي غابت شمسه بتأخره عن التعبير، رغم أن ثقافته لا تزال ملكه ولكنه فقد المحفز والرؤية. ووضوح الفكرة أمام الشاعر يجعله يفصلها فيجعل للأولويات مكانها في مقدمة قصيدته، فهو يرتب الأهم فالمهم فلا يبدأ إلا بما هو جدير بالمقدمة وربما تذكر في نهاية القصيدة شيئاً فيما بعد فأضافه، وهذه الأولويات التي يجعلها الشعراء مرتبة في قصائدهم تعد منهجية مهمة تميز القصائد، وهي شبه متفق عليها، وقد استفادها الشعراء بعضهم من بعض متأثرين بالقصائد قبلهم وبما يجري في الحياة كلها، فالأهم دوماً يبدأ به ثم يليه ما هو أقل منه أهمية، ففي الإرشاد والوصايا مثلاً يوصي الشعراء بطاعة الله والدين ثم طاعة الوالدين ثم الخلق الحسن والجار وإكرام الضيف ثم الحذر من الدنيا أو الركون لها والاهتمام بالكلمة الطيبة والبعد عن ما يبغضه الناس وكسب السمعة الحسنة وحفظ المال وعدم التهاون في اختيار الصداقات.. إلخ. ويتجنب الشعراء أهل الخبرة عادة فوضوية القصيدة وعشوائية الطرح فلا يرضون لشعرهم أن يكون بلا هدف أو بلا ترتيب في طرح الفكرة التي يريدون التعبير عنها، وهذا التوجه هو الذي يجعل القصائد متماسكة ذات بنية وتراكيب متجانسة وإلا أصبحت نشازاً لا يعرف أولها من آخرها، ولا يستسيغ قراءتها أو سماعها المتلقي؛ لأن فوضوية الطرح دليل على عدم قناعة الشاعر نفسه بما قدمه وعبر عنه، فكلما تناسقت القصيدة وتوالت معانيها من مفاتيح ومداخل إلى محتوى ثم ختام كانت أجمل في ذاتها وأكثر قبولاً عند من يتلقاها. يقول الشاعر مشخص الفهري: عطني ياهاب الريح من وقتك شوي و اسمع كلامي كان ما به كلوفة سخر جهودك في رضا الواحد الحي والفرض لا تغفل من أول صفوفه لا تمنع الناصح ليا قال ياخي خذ ما يفيد وزايد الهرج طوفه لا تطرد المقفي ولا تشاور العي قدام ياكلك الندم والحسوفة ترى حكيم الشور ياخذ ويعطي نفسه من الراي الدناوي عيوفه ولا تقرب الشبهة ولا تخاوي السي عليك باللي طيبات وصوفه من رافق الطيب شرب صافي المي ومن رافق الهافي جفا الما كفوفه ولا تنكر المعروف لو أنه شوي من قدم المعروف رد معروفه و ادمح خطا الطيب ليا صار مخطي و اقبل معاذيره وقدر ظروفه ولا تنهر المحتاج لا جاك مبلي خسارة في فعل خير مخلوفة وأطلق حجاجك لا أقبل الخاطر وحي بشاشة الطيب كرامة ضيوفه ترى الكريم معان بالخير مرهي من يترك الماجوب جعله ذلوفة لا تقطع الرفقة ولو حبلها لي حبل الرفق من يفلته بان خوفه رجل بلا ربعه من الناس مجفي لا بد صكات الليالي تحوفه واللي في عينه ما يشوف البشر شي ترى البشر في عيونها ما تشوفه ومن عوده حظه على بارد الفي لا بد لفحات السمايم تلوفه ومن ساقته نفسه على سكة الغي صعب عليه ليا تمادى نكوفة ترى الليالي تطوي أيامنا طي يالله بحسن الخاتمة والمروفة