لو كانت لكل قناة فضائية أسلاك كما هو الحال مع الهاتف الثابت، وخطوط الإمدادات الكهربائية؛ لكي تصل إلى منازل مشاهديها، لما عاد هناك متسع في الأرض ولا في السماء لاستيعابها. مئات القنوات المزدحمة في جهاز منزلي صغير، ولاقط يمكن من خلاله تتبع الأقمار الاصطناعية التي تحلق فوق نطاقنا الجغرافي، فيما تتيح التقنية الحديثة عبر الإنترنت الوصول إلى عدد غير محدود من المحطات المنتشرة حول العالم. وفيما كان الأمر يتطلب الملايين من الدولارات وسنوات من الإجراءات والاستثناءات لإنشاء محطة تلفزيونية واحدة، أصبح أي رجل دين أو تاجر أو سياسي أو حتى فنان قادراً بين ليلة وضحاها على امتلاك قناة خاصة به ليدخل من شاشتها إلى بيوت الناس، ويفرض وجوده السلبي على الساحة الإعلامية. كَمٌّ هائل من القنوات باختلاف توجهاتها وميولها، جعل من الرقابة الحكومية والأهلية مهمة شبه مستحيلة، في ظل تضارب الصلاحيات، وتعقيدات القوانين، التي تنظم العمل في هذا الفضاء المفتوح. كل ذلك ترك المشاهد في مواجهة مباشرة مع ساعات من البث غير المنضبط ودون المستوى، من ناحية جودة الإنتاج أو نظافة المحتوى. منتجات تقليد أدوية مغشوشة.. نصب واحتيال بعضه باسم الرقية الشرعية وتفسير الأحلام، والبعض الآخر من باب أرسل رسالة نصية لتربح الملايين. وفيما تحجب المؤسسات المعنية كثيرا من المواقع، وتمنع دخول الآلاف من الكتب المخالفة للقيم والقوانين، تغزو القنوات الفضائية عقول الناس على مدار الساعة دون حسيب أو رقيب. في البداية، كان أهالي الحي والقرية يتجمعون عند تلفزيون واحد؛ لمتابعة نشرة الأخبار الرئيسة، أو حفلة لأم كلثوم، أو فيلم عربي يعرض للمرة الأولى، الآن .. لا تخلو أي غرفة أو مجلس من تلفزيون، لا نَمَلُّ من تقليب قنواته ليل نهار، وفيما كان يتوقف في السابق عند ساعة محددة إيذاناً بانتهاء اليوم، ها هو يشغل أوقاتنا دون كلل أو ملل. لقد أدمنا هذا الجهاز الذي علمنا الكسل، وجعل من حياتنا مشغولة بما ينقله لنا من أخبار ومصائب من كل زاوية من زوايا هذا العالم. هذه الصور التي تجتاح أحلامنا، وتشكل عقول أطفالنا بالطريقة التي تتجاوز حدود ما نعايشه من واقع حقيقي، إلى بيئات أصبح أفرادها القدوة في الممارسات والمظاهر بالنسبة لنا. مباراة لفريقك المفضل.. نشرة أخبار رئيسة واحدة في اليوم.. برنامج أسبوعي.. مسلسلك المفضل.. أكثر من ذلك أنت واحد من الذين يسمّون (TVholic)؛ أي مدمن تلفزيون.. وعليك دون تردد البحث عن علاج من هذا الإدمان فوراً، وإلا ستصبح سجين هذا الصندوق الذي كلما ازداد نحفاً .. ازددنا وزناً وسُمنة.