الابتعاث فرصة ذهبية وهبتها الدولة -رعاها الله- لبعض أبنائها لينهلوا من العلم وليعودوا للوطن وهم مدججون بالعلم وبالثقافة والفكر الناضج، وتبدأ رحلة الابتعاث بدراسة اللغة الإنجليزية في المعاهد المتخصصة بذلك بحسب وجهة الابتعاث، يقضي فيها الطالب قرابة العامين -أحياناً- ليتسنى له بعد ذلك الانطلاق في مجال تخصصه إن كان دارساً للبكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه. ومرحلة اللغة هي المرحلة الأهم في ثنايا الابتعاث لأنها المعرفة التي تستمر مع الفرد مدى الحياة حتى ولو فقد ملامسة تخصصه الدقيق فاللغة تعيده له من خلال الرجوع للمصادر التي كتبت في تخصصه.. ولكن أين المبتعث من اللغة ومن تخصصه الدقيق؟ أتجرع الألم كثيراً حينما التقي بمتخرج حديث من البعثة وفي تخصص دقيق ولا يفقه من تخصصه إلا القشور المعرفية، أو لا يكاد يحيط باللغة الإنجليزية إلا ما يحيط به طالب لم يغادر أرض الوطن..! كيف أمضى الأربع أو الخمس سنوات في البعثة وأين هو من دور العلم؟ لعل الإجابة بسيطة: فأغلب المبتعثين قبل أن يسأل عن: ما المكتبات التي تنصحون بها؟ وما المعاهد التي تساعدني في تطوير لغتي؟ وما المواقع التي تفيدني في الاستزادة في تخصصي؟ يسأل أي المدن التي يكثر بها أبناء جلدته؟ وأي المعاهد أكثر مرونة في تجاوز عقبة اللغة؟ وهل يوجد موقع يساعدني في كتابة البحوث؟ وهل هناك من يمد يد العون في الواجبات والأبحاث؟ وغيرها من الأسئلة المخجلة.. هذه أغلب ما يسأل عنها أغلب المبتعثين الجدد، وفي المقابل يجد الأيدي قد مدت إليه بنصائح تجره إلى الخواء المعرفي بدلاً من الرفعة في العلم.. تغير مفهوم الابتعاث لدى الكثير من المبتعثين من كونه رحلة علمية إلى رحلة للتنزه والسياحة، فتجد الغالبية مبدعين ويثروك بأكثر الأماكن للتنزه، وأشهر المطاعم لتناول الوجبات، وأجود الأماكن للتسوق، ولو سألت سؤالاً عابراً كم كتاب قد استعرت من مكتبة الجامعة، سيسألك البعض وهو ممسك بوثيقة التخرج، عن كيفية استعارة الكتب..! وهل هناك ما يسمى بالاستعارة..! ثم وبعد هذا الخواء المعرفي ينادي الخريج في الصحف والمواقع بأنه لم يجد وظيفة تتناسب مع تخصصه..! وهو لا يعلم ما يدور أصلاً في تخصصه. نحن في عصر المعرفة المتراكمة وتسارع الفكر، ولا يعيش في هذا الزمان من يؤجر عقله لغيره ليكتب له أبحاثه، أو يغذيه بالغث والسمين،، نحن في زمن التنافس العلمي ولسنا في زمن من أكون والى من انتسب. Your browser does not support the video tag.