تمثل حادثة مقتل المواطن جمال خاشقجي -رحمه الله- أنموذجاً لما يمكن أن يؤديه الإعلام من دور في صناعة الحدث، وهو ما يدحض عشرات الدراسات والآراء حول انتهاء حقبة الإعلام التقليدي وبروز ما يسمى بالإعلام الحديث. وبغض النظر عن الاختلاف حول هذين المصطلحين وربطهما بالوسائل إلا أن تأثير الإعلام التقليدي أثبت أنه لا يزال اللاعب الرئيس في صناعة الأحداث وربما حالة الصخب فيما يتعلق بردود الأفعال حيالها، فالقضية استخدمت فيها أسلحة تقليدية -إن جاز التعبير- منذ بداياتها وحتى الساعة، كما أعادت إلى الأذهان استراتيجيات الدعاية القديمة بكافة أنواعها وألوانها. في موضوع خاشقجي -رحمه الله- تباينت إلى درجة كبيرة مضامين الرسالة الإعلامية حيث نسجت العشرات من السيناريوهات وسردت قصص ذات طابع بوليسي لكنها في محصلتها لم تقدم معلومة صحيحة مؤكدة، باستثناء الإعلام السعودي الذي بنى رسالته على معلومات رسمية وتقارير تضمنت التحذير من أي مؤامرات تستهدف الوطن وتنال من ثوابته منطلقاً من إحساس بالمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه، وهذا ما حوّل منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب تقوم على جدل طويل انتصر فيها المغرد السعودي ببساطة لامتلاكه سلاح انتمائه الوطني، في حين افتقد الطرف الآخر لأي سلاح يمكّنه من كسب ثقة المتلقي أو التأثير في صفوف المحايدين حيث أفسدت النوايا السيئة تلك الإمكانات الكبيرة التي تم حشدها، وحولت محتوى رسائلها إلى مشانق أُعدمت فيها كل معايير المصداقية والحياد. في القرن الحادي والعشرين وفي ظل التحولات السياسية الكبيرة التي يشهدها العالم أعاد الإعلام التموضع في قلب الأحداث فلم يعد وسيلة لنقلها بل صانعاً لها، وبمقتضى ذلك فإن الاهتمام بالجوانب التقنية لا يجب أن يأخذنا بعيداً عن أسس المهنة الإعلامية وتنمية الكفاءات وتطوير القدرات لصناعة إعلام قوي قادر على مواكبة ما يعيشه العالم من أحداث وما تشهده منطقتنا بالذات من متغيرات على كافة الأصعدة. صناعة الإعلامي السعودي وحدها تتطلب جهداً كبيراً تشترك فيه العديد من الجهات الحكومية والمؤسسات التعليمية وكذلك المؤسسات الإعلامية الخاصة.. والأمل كل الأمل أن تتضافر الجهود وأن ينجح الجميع في تأهيل جيل جديد من الإعلاميين السعوديين القادرين وبكل كفاءة على خوض معارك المستقبل. Your browser does not support the video tag.