يتعرَّض مُعظمُ البشر إلى نوبات من الشعور بالإحباط، ولكن عندما يُصاب الشخصُ بالاكتئاب، يشعر بالحُزن المُتواصِل لأسابيع أو لأشهُر بدلاً من عدَّة أيام فقط. لا يزال بعضُ الناس يعتقِدون أنَّ الاكتِئابَ أمرٌ بسيط، وليس مُشكِلةً صحيَّة مهمَّة، وهذا خطأٌ في الحقيقة؛ فالاكتِئابُ مرضٌ حقيقيّ وذو أعراض حقيقيَّة، وهو ليس علامةً تُشيرُ إلى الضعف أو شيء يُمكن التغلُّبُ عليه عن طريق تمالُك النَّفس. ولكنَّ الأمرَ الجيِّد هُو أنَّه مع المُعالجة الصحيحة والدَّعم، يستطيع مُعظمُ الأشخاص الذين يُعانون من الاكتِئاب الوصولَ إلى الشفاء منه بشكلٍ كامِل، بإذن الله. ما أعراض الاكتِئاب؟ يُصيبُ الاكتِئابُ الأشخاصَ بطُرقٍ مُختلِفةٍ، ويُمكن أن يُسبِّب طيفاً واسِعاً من الأعراضِ التي قد تتراوَح بين الشُعور المُتواصِلٍ بالحُزن واليأس، وفقدان الاهتِمام بالأشياء التي اعتاد الإنسان الاستِمتاع بها والميل نحو سُرعة البُكاء، كما تظهر أعراضُ القلق أيضاً عند العديد من الأشخاص الذين يُعانون من الاكتِئاب. قد تظهر على الشخص أعراضٌ جسديَّة أيضاً، مثل الشعور بالتَّعب على الدَّوام وعدم النوم لفتراتٍ كافِية وضعف الشهيَّة للطعام أو ضعف الدَّافِع الجنسي والشكوى من آلام مُختلِفة في البدن. يُمكن أن تتفاوَتَ شدَّةُ أعراض الاكتِئاب، فقد تكون في أخفّ حالاتها شُعوراً مُتواصِلاً بالكآبة، بينما يُمكن أن يدفع الاكتئابُ الشديد بالإنسان نحو التفكير بالانتحار، وأنَّه لا قيمةَ للحياة. يتعرَّض مُعظمُ الناس إلى الشدَّة والشعور بالحُزن أو القلق في أثناء أوقات مُختلِفة، ولكن قد يتحسَّن المزاجُ الرديء بعدَ فترة قصيرة بدلاً من أن يكونَ علامةً من علامات الاكتِئاب. متى تجِب استِشارة الطبيب؟ من المهم استِشارةُ الطبيب مُباشرةً عندما يجِد الشخصُ نفسَه أمام احتِمال الإصابة بالاكتِئاب، فالعديدُ من الناس ينتظرون لفتراتٍ طويلة قبلَ فعل ذلك، وهُو ليس بالأمر الجيِّد؛ فكلَّما أسرع الإنسان بطلب المُعالجة، حصل على نتائج أفضل في طريقه نحو الشفاء. هناك مُحرِّضٌ للاكتِئاب في بعض الأحيان، فالأحداثُ التي تُغيِّرُ من حياة الإنسان، مثل فقدان شخص قريب أو فقدان العمل وحتى إنجاب طفل، يُمكن أن تجلبَ الاكتئاب. كما أنَّ الأشخاصَ الذين لديهم تاريخ أسري للاكتئاب هُم أكثر عرضةً لهذه المشكلة أيضاً. ولكن، يُمكن أن يُصاب الإنسان بالاكتِئاب من دون سببٍ واضِحٍ أحياناً، وفي الحقيقة يُعدُّ الاكتِئابُ من الحالات الشائعة حيث يُصيب شخصاً من كل 10 أشخاص في مرحلة ما من الحياة، وهُو يُصيب الرِّجالَ والنساء والشباب وكِبار السنّ، وحتى الأطفال في بعض الحالات. المُعالَجة تشتمل مُعالجةُ الاكتِئاب إمَّا على الأدوية أو العلاج بالكلام أو توليفة من الطريقتين، ويعتمِد هذا على نوع الاكتئاب الذي يُصيب الإنسان. التعايُش مع الاكتِئاب يحصل العديدُ من الأشخاص الذين يُعانُون من الاكتئاب على منافِع من خلال القيام بتغييرات في أسلوب الحياة، مثل مُمارسة المزيد من التمارين والتوقُّف عن التدخين وتناوُل الطعام الصحِّي. يعتقد كثيرٌ من الناس أنَّ الاكتئاب يصيب البالغين فقط. لكن في الواقع يمكن للاكتئاب أن يصيبَ الأطفال والمراهقين أيضاً. في بريطانيا على سبيل المثال، بلغت نسبةُ الأطفال الذين يعانون من اضطراب نفسي ملحوظ 10 % من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 16 عاماً، حيث إنَّ 4 % من الأطفال يعانون من اضطراب وجداني مثل القلق أو الاكتئاب. والمشكلةُ بالنسبة للوالدين هي أنَّ الاكتئاب عند الأطفال قد يصعب كشفُه. العلاماتُ التحذيرية للاكتئاب عند الأطفال هناك طرقٌ لمعرفة الفرق بين لحظات السعادة والتعاسة العادية، وبدايات مشكلة صحِّية نفسية أكثر خطورة. يقول الخبراء: "العلاماتُ الواضحة التي يجب الانتباهُ إليها تتضمَّن تردِّياً في الحالة المزاجية، وعلامات الحزن مع البكاء أو التهيُّج التي قد لا تكون متعلِّقةً بأيِّ شيءٍ محدَّد. كما يجب الانتباهُ إلى ردَّات الفعل عندما يحدث شيءٌ محزن؛ على سبيل المثال، عندما يموت شخصٌ ما، فمن الطبيعي أن يشعرَ أيُّ فردٍ في الأسرة بالأسى، ولكن إذا شعر الوالدان أنَّ ردةَ فِعل الطفل مفرطة جداً أو أنَّها استمرَّت لفترة طويلة جداً، عندئذٍ يمكن أن تكونَ علامةً على الاكتئاب أيضاً". يضيف خبيرٌ آخر فيقول: "إذا كان مزاجُ الطفل يؤثِّر في أدائه وواجباته اليومية، فهذه علامةٌ على وجود مشكلة صحِّية نفسيَّة ينبغي التحقُّقُ منها. إذا كان الشاب غيرَ قادر على متابعة تحصيله في المدرسة، وفقد الاهتمام بالأشياء التي كانت محطَّ اهتمامه سابقاً، فإنَّ هذا هو مؤشِّر كبير، فضلاً عن زيادة العزلة الاجتماعية أيضاً. إنَّ هذه دلائل على أنَّ تردِّي الحالة المزاجية يتسبَّب في اضطراب مهم". التعاملُ مع الاكتئاب عند الأطفال إذا شعر الآباءُ أنَّ الطفل يعاني من الاكتئاب، فقد يكون من الصعب معرفة ما ينبغي القيام به. إنَّ أوَّلَ شيء يجب القيام به هو التحدُّث إلى الطفل، ومحاولة معرفة ما يقلقه، ومهما يكن سبب المشكلة، لا ينبغي التقليل من شأنها؛ فربَّما لا يكون مشكلةً كبيرةً بالنسبة للوالدين، لكنها قد تكون مشكلة كبيرة بالنسبة للطفل. وإذا انشغل بالُ الوالدين بشأن طفلهم بعد التحدُّث إليه، فعليهم أن يُراجعوا الطبيب. إذا كان الأمرُ يتطلَّب مزيداً من العلاج، فهناك العديد من الخيارات، تتضمَّن خدمات المشورة للشباب، أو العلاج الأسري، أو العلاج السلوكي المعرفي الذي هو نوعٌ من العلاج بالكلام. قد يُفكِّر الطبيبُ أيضاً بوصف الأدوية المضادَّة للاكتئاب، ولكن ذلك يكون في الحالات الشديدة فقط. إذا شعر الآباء في أيَّة مناسبة، بقلق تجاه طفلهم من أنَّه قد يكون عرضةً للاكتئاب، يمكنهم أن يساعدوا على منع وقوع ذلك لديه، من خلال جعل الأطفال يشعرون بأنَّ آباءهم موجودون من أجلهم هم فقط. إنَّ جميعَ الأطفال والشباب في حاجة إلى الشعور بالاحترام والتقدير والحب من قِبل الآخرين، ويحتاجون إلى إقامة صِلات مع الذين يقدِّمون لهم الرعايةَ "الوالدين عادةً"، حيث يشعرون بعطف آبائهم عليهم بطريقةٍ إيجابية، لا لشيءٍ إلاَّ لأنَّهم أبناؤهم. تُعَدُّ مضادَّاتُ الاكتئاب antidepressants من الأدوية التي تُستَعمل في علاج الاكتئاب السريري clinical depression، أو في منع تكرُّر الإصابة به، ويمكن استعمالُها في علاج عددٍ من الحالات الأخرى أيضاً، والتي تشتمل على: الاضطراب الوسواسي القهري obsessive compulsive disorder (OCD). اضطراب القلق المُعمَّم generalised anxiety disorder. اضطراب ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder (PTSD). كما تُستَعملُ مضادَّات الاكتئاب أحياناً في علاج الأشخاص الذين يُعانون من ألمٍ مزمن. متى تُستَعمل مضادَّات الاكتئاب؟ تُستَعملُ مضادَّاتُ الاكتئاب بشكلٍ رئيس في علاج حالات الاكتئاب السريري عند البالغين، كما أنَّها تُستَعملُ في علاج حالاتٍ صحيَّةٍ نفسيَّةٍ أخرى وعلاج حالات الألم المزمن. تُعطى مضادَّاتُ الاكتئاب لعلاج حالات الاكتئاب المتوسِّطة والشديدة عندَ البالغين، وذلك كعلاج أوَّلي. وتوصَفُ هذه الأدويةُ إلى جانب المعالجة السلوكيَّة المعرفيَّة غالباً. والمعالجةُ السلوكيَّة المعرفيَّة هي نوعٌ من العلاج يستعملُ أسلوبَ حلِّ المشكلات للمساعدة على تحسين التفكير والمزاج والسلوك. لا يُوصَى باستعمال مضادَّات الاكتئاب في علاج حالات الاكتئاب الخفيفة دائماً؛ لأنَّ الدراسات وجدت أنَّ فعاليَّةَ استعمالها في هذه الحالات محدودة. لكنَّ هذه الأدويةَ قد تُستَعملُ لبضعة أشهر أحياناً، لعلاج حالات الاكتئاب الخفيفة ومراقبة حدوث أيِّ تحسُّن في الأعراض، وإذا لم يجد المريضُ أيَّ فوائد خلال هذه الفترة، فينبغي سحبُ الدواء من الاستعمال ببطء. يُوصَفُ في بداية العلاج نوعٌ من مضادَّات الاكتئاب يُسمَّى مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائيَّة selective serotonin reuptake inhibitor (SSRI) عادةً. وإذا لم تتحسَّن الأعراضُ بعد استعمال الدواء لقرابة 4 أسابيع، فقد يُوصى باستعمال مضادَّاتِ اكتئابٍ بديلةٍ، أو يمكن زيادة جرعة الدواء المُستَعمَل. يمكن للطبيب العام وصفُ عددٍ من أنواع مضادَّات الاكتئاب، ولكن ينبغي أن يقتصرَ استعمالُ بعضها على إشراف الطبيب الاختصاصي بالأمراض النفسيَّة. وإذا لم تحدث استجابةٌ عندَ استعمال الدواء المضاد للاكتئاب منفرداً، فيمكن عندها اللجوءُ إلى علاجاتٍ أخرى، كالمعالجة السلوكيَّة المعرفيَّة، وذلك للمساعدة على تحقيق نتائج علاجيَّة أفضل. كما يمكن استعمالُ جرعاتٍ أعلى من الدواء أيضاً. Your browser does not support the video tag.