قالت إحصائية أن واحداً بين كل عشرة أمريكيين يتناول أدوية مضادة للاكتئاب ، وهذا حسب معلومات نشرها المركز الوطني للإحصاءات الطبية National Center for Health Statistics و قالت المعلومات التي اصدرها المركز بأن اعداد من يتناولون أدوية مضادة للاكتئاب قد زادت خلال الخمسة عشر الماضية بنسبة 400%. وأضافت الدراسة بأن النساء ، خاصة في منتصف العمر يتناولن أدوية مضادة للاكتئاب بحوالي ثلاثة أضعاف الرجال في نفس العمر. كل هذه المعلومات جعلت الجهات المسؤولة في الولاياتالمتحدةالأمريكية تُصدر تعليمات إلى الأطباء بأن يتم إخبار المرضى الذين يُعانون من مرض الاكتئاب بماهية الأدوية التي سوف يتعاطونها وماهي الأعراض الجانبية التي يجب أن يعرفوها عن هذه الأدوية. هذا في المجتمعات المتحضَرة ، حيث يقوم الطبيب النفسي بعرض الأعراض الجانبية لكل دواء يصرفه للمريض النفسي ، ويُفسر هذه الأعراض بطريقة واضحة لا لبس فيها نظراً لأن كثيراً من المرضى يُفاجأون بالأعراض الجانبية التي تحدث لهم مع استخدام الأدوية النفسية. الأدوية المضادة للاكتئاب كما ذكرنا في مقدمة هذا المقال هي أكثر الأدوية النفسية التي يتم صرفها للمرضى ، حيث إن الاكتئاب هو المرض النفسي الأكثر انتشاراً بين عامة الناس وهذا يجعل الأدوية النفسية الأكثر استخداماً بين المرضى. في مجتمعاتنا العربية ، يندر أن تجد طبيباً نفسياً يشرح لمرضاه الأعراض الجانبية لأي دواء نفسي يصفه للمريض. هذا نظراً لأن الوقت الذي يملكه الطبيب النفسي لكي يتحاور مع مرضاه قصير وضيق جداً ، ليس هذا في العيادات النفسية الخاصة فقط ولكن أيضاً في العيادات الحكومية ، فنظراً لكثرة أعداد المرضى النفسيين جعل الأوقات المخصصة للمرضى النفسيين قصيرة ولا يستطيع المريض أن يأخذ حقه من الوقت لكي يعرف ماهو المرض الذي يُعاني منه ولا الدواء الذي سيتناوله ولا الأعراض الجانبية التي سوف تحصل له نتيجة هذه العقاقير التي يستخدمها. لعلنا نتعرض في هذا المقال لأشهر أنواع مضادات الاكتئاب والأعراض الجانبية التي تُسببها هذه الأدوية. من أقدم الأدوية المضادة للاكتئاب هو مجموعة الأدوية المعروفة بالأدوية ذات الحلقات الثلاثية (Tricyclic Antidepressant) وهذه الأدوية تقريباً متداولة من السيتنات من القرن الماضي ، وكانت قد شكّلت فاتحة لعلاج اضطراب الاكتئاب. فالأدوية ثلاثية الحلقات ، والتي لا زالت تُستخدم حتى اليوم و هي أدوية فاعلة ، لكن انتشارها قل كثيراً في الأعوام الأخيرة بسبب أدوية أكثر حداثةً ، و لها نفس المفعول ولكن قد تكون أقل أعراضاً جانبية. الأدوية ثلاثية الحلقات المضادة للاكتئاب والتي اشهرها الإمبتربتلين و الإميبرامين و الكلوميبرامين ، لها مفعول جيد جداً على تحسن مرضى الاكتئاب ، ولكن كما أسلفنا فإن أعراضها الجانبية هي التي حدّت من استعمالها ، خاصة في التسعينات من القرن الماضي ، حيث بدأت أدوية أكثر حداثة في الانتشار ، نظراً لتساوي فعالية هذه الأدوية الجديدة وكذلك قلة الأعراض الجانبية التي تدّعي شركات الأدوية بهذا ، وإن ظهر بعد ذلك أن هذه الإدعاءات ليست صحيحة بشكلٍ كامل. أكثر ما يظهر من الأعراض الجانبية عند استخدام هذا النوع من الأدوية ، هو زيادة الوزن بشكل ملاحظ ، كذلك جفاف الحلق ؛ حيث يُعاني الشخص الذي يستخدم هذه الأدوية من صعوبة في بلع ريقه ، وهذا أمر صعب على المريض. كذلك هناك بعض المخاطر على الجهاز الدوري ( القلب ) ، حيث إن هذه الأدوية قد تُسبب في تغيير تخطيط القلب الذي يدّل على تعرّض القلب لبعض المشاكل الصحية وأكثر وأخطر تأثير لهذه الأدوية هو ما يُعرف طبياً ب Arrhythmia و توقّف القلب الذي قد يُسبب الوفاة في بعض الأحيان ، ولكن هذا لا يحدث بكثرة إلا عند الأشخاص الذين يُعانون أساساً من امراض في القلب والجهاز الدوري ، لذا يجب توخي الحذر في وصف هذا الدواء للأشخاص الذين يُعانون من مشاكل صحية في القلب. قد يتسبب هذا الدواء في صعوبة في التبوّل أو احتباس البول في بعض الأحيان. من الأعراض الجانبية التي قد تُسببها هذه الأدوية هو الصرع ، لذلك يجب مراقبة المرضى الذين لديهم تاريخ عائلي في الإصابة بالصرع وتكون هناك معلومات عند الأهل ، كما عند المريض بأن هذه الفصيلة من الأدوية تُسبب الصرع ، وعند حدوث أي بوادر للصرع فيجب إيقاف الدواء فوراً. التأثير على الكبد أيضاً قد يحدث نتيجةً ايضاً عند استخدام هذه الأدوية و كذلك بعض التأثير على الدم والتفاعل السلبي والذي قد يؤدي إلى تغيّر في تركيبة الدم ، لذلك يجب في بعض أنواع هذه الأدوية أن يتم عمل فحص للدم كل 3 أو 4 أسابيع. من الأعراض الجانبية أيضاً لهذه الأدوية هو الخدر والشعور بالدوخة ، والزغللة في العين وكذلك الإمساك الذي قد يكون شديداً في بعض الأحيان. الإفراط في إفراز العرق قد يكون أيضاً من الأعراض الجانبية لهذه الأدوية. الآن لم يعد هناك استعمال كبير لهذه الأدوية ، ليس فقط لأن الأدوية الحديثة خاصةً المسماة بالأدوية المُثبطة للسيروتونين ، ولكن لأن الأدوية المُثبطة لمادة السيروتونين غالية الثمن ، إذ إن ثمن علبة من الأدوية المُثبطة للسيروتونين قد يصل إلى عشرين ضعفاً لعلبة ادوية من الأدوية ثلاثية الحلقات!!. هذا الفارق في السعر جعل شركات الأدوية المنتجة لمضادات الإكتئاب المُثبطة لمادة السيروتونين تسّوق بشراسة لأدويتها ، عن طريق إغراءات قوية للأطباء الذين يقومون بمعالجة المرضى النفسيين ، وكذلك استغلال بعض العلماء بدفع مبالغ طائلة لعمل أبحاث تؤيد استخدام هذه الأدوية الجديدة ، وتُحرّض صِغار الأطباء النفسيين على التعوّد على وصف هذه الأدوية باهضة الثمن. إن إنتشار الأدوية المُثبطة لمادة السيروتونين ليس فقط هو ما يقولوه البعض بفاعلية هذه الأدوية مقارنةً بالأدوية المضادة للاكتئاب ثلاثية الحلقات ، فتكاد تكون فاعلية الأدوية ثلاثية الحلقات مساوية إن لم تكون أكثر من بقية الأدوية المضادة للاكتئاب بوجهٍ عام ، ولكن الضغط و التمويل القوي لحملات الدعاية للأدوية من قِبل الشركات المصنّعة للأدوية الحديثة. الأدوية الأخرى ، واسعة الانتشار لعلاج مرض الاكتئاب هي الأدوية المُثبطة لمادة السيروتونين، وأول هذه الأدوية واشهرها هو دواء البروزاك ، وهناك أدوية عديدة من هذه الفصيلة ؛ مثل السيروكسات ، الفافرين ، السيبراليكس ، السيبرام ، اللوسترال.. وغيرها الكثير من هذه الأدوية. فاعلية هذه الأدوية كما ذكرنا تقريباً مساوٍ لفاعلية الأدوية المضادة للاكتئاب ثلاثية الحلقات ، ولكن ربما يكون هناك بعض التفضيل لهذه الأدوية لأنها قد تكون أقل أعراض جانبية. لكن في الفترة الأخيرة ، وبعد استخدام لهذه الفصيلة من الأدوية تبين أن لها الكثير من الأعراض الجانبية التي لم تكن معروفة من قبل. فالآن أصبح من المهم عمل تخطيط قلب قبل استخدام هذه الأدوية للمرضى ، وفي بعض الدول أصبح هذا الفحص إجباري يقوم به الطبيب قبل أن يوصف الدواء المثبط لمادة السيروتونين للمريض ، نظراً لأن هذه الأدوية قد تُسبب بعض المشاكل في الجهاز الدوري و كذلك بعض من هذه الأدوية لابد من أن يتم فحص وظائف الكبد قبل أن يتناول المريض هذه الأدوية لأنه تم اكتشاف أن بعض هذه الأدوية تسبب إخلالاً في وظائف الكبد. ماهي أهم الأعراض الجانبية التي تُصاحب الأدوية المضادة للاكتئاب من فصيلة الأدوية المُثبطة لمادة السيروتونين؟ بشكلٍ عام قد تختلف من دواء لآخر لكنها على العموم تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي ؛ غثيان ، استفراغ ، الآم في البطن ، صعوبة في البلع ، إسهال ، و كذلك إمساك، ضعف الشهية للأكل مما يُسبب نقصاً في الوزن ( احياناً يكون هذا العرض الجانبي مطلوب!) ، و كذلك قد تحدث هذه الأدوية تغييراً في مستوى السكر في الدم. أيضاً قد تُسبب هذه الأدوية جفافاً في الحلق، عصبية ( وهذا يحدث مع بعض الأدوية من هذا الفصيل ، حيث يسبب تعاطي بعض أنواع الأدوية من هذا الفصيل القلق والعصبية). بعض هذه الأدوية تُسبب صداعاً شديداً ، وأرقاً؛ حيث يُعاني الشخص الذي يتعاطي هذه الأدوية من صعوبة في الدخول في النوم ، خفقان في القلب ، حيث تزيد ضربات القلب وقوة هذه الضربات ، كذلك قد تسبب هذه الأدوية الرجفة في الأطراف ، وقد تُسبب أحياناً التشّوش ( أي يفقد المريض القدرة على تحديد الوقت واليوم و معرفة الأشخاص المحيطين به ) ، الدوخة وثقِل الرأس ، انخفاض الضغط ، قد تُرسّب أو تُسبب هذه الأدوية الإصابة بنوبات الهوس لمن لديهم القابلية للإصابة بهذا الاضطراب. أيضاً قد تُسبب هذه الأدوية الدوار وقد تُسبب كذلك الصرع ، خاصةً لمن لديهم القابلية للإصابة بهذا المرض. من الأعراض الجانبية لهذه الأدوية ايضاً أنها قد تُصيب الشخص بارتفاع درجة الحرارة ، التأثير على القدرة الجنسية عند كلا الجنسين ؛ الرجال والنساء ، زيادة إفراز العرق ، المعاناة من حركات لا إرادية في الجسم ، الإصابة بنقص مادة البوتاسيوم في الجسم ، إمكانية حدوث جلطات في الدماغ ، إمكانية حدوث التهابات في الرئة ، نزيف في الجهاز الهضمي ، فقر دم (إنيميا) ، زيادة إفراز هرمون البرولاكتين ( هرمون الحليب ، وهذا يُسبب انقطاع الدورة عند النساء و عدم القدرة على الحمل وكذلك إفراز الحليب أحياناً عند الرجال). من أخطر الأعراض الجانبية لبعض أدوية هذه المجموعة هو الانتحار!. من الأعراض أيضاً قد يحدث نزيف من المهبل عند النساء وكذلك تساقط الشعر ، وأيضاً نقص في كريات الدم البيضاء التي قد تقود إلى نقص المناعة. ما ذكرناه من الأعرا ض الجانبية للأدوية المضادة للاكتئاب من فصيلة الأدوية المُثبطة لمادة السيروتونين ، هو ما ورد في الكتب ، و هذا لا يعني أن جميع هذه الأعراض قد تحدث ولكن هناك احتمال بحدوث هذه الأمور لذلك يجب على المرء الذي يتناول مثل هذه الأدوية أن يعرف بما يمكن أن يُصيبه إذا استخدم هذه الأدوية. بالتأكيد ليس جميع هذه الأعراض الجانبية تحدث لأي شخص يستخدم هذه الأدوية ولكن إمكانية حدوثها وارد و يجب على الشخص الذي يتناول هذه الأدوية أن يكون مستعداً لها.