لم يكن غريباً الاصطفاف العريض خلف قرار حكومتنا الحازم بطرد السفير الكندي من المملكة بعد محاولة بلاده العابثة التدخل في شأننا الداخلي، وهو أمر يؤكد الثقة والولاء التام لشعبنا الكريم بقيادته الرشيدة وبقراراتها الصارمة تجاه كل من يحاول المساس بسيادة وطننا الغالي وكرامته. ولم يقتصر تأييد الموقف السعودي على مواطني الدولة فقط، بل تعداهم إلى عديد من الدول والحكومات، التي أصدرت بياناتٍ مؤيدة للقرار، معتبرة أنه حق أصيل للمملكة في صون كرامتها والدفاع عن سيادتها، فالمملكة دولة رشيدة لها نظمها وقوانينها، كما أنها تحترم القوانين الدولية، وترفض تماماً الوصاية على قراراتها وإجراءاتها الداخلية، وهي أحرص من غيرها على مصالح شعبها وأبنائها؛ فأهل مكة أدرى بشعابها. ويبدو أن كندا لا تتعلم من التاريخ؛ فسياسة المملكة على مر العصور عُرفت بالتزامها الثابت بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وفي المقابل التعامل بحزم وحسم مع كل من يحاول التطاول عليها بالتدخل في شؤونها الخاصة، وتعتبر ذلك أمرًا لا يحتمل التهاون أو التردد أو الدبلوماسية الناعمة، مهما كان حجم تلك الدولة أو حجم مصالحنا المشتركة معها، فكل ذلك لا يساوي شيئاً أمام المساس بسيادتها وكرامتها، وقد سجل التاريخ بمدادٍ من ذهب صفحات ناصعة في الوطنية تعكس تعامل قادة المملكة في عهود سابقة مع كل من تسوّل له نفسه التدخل في سياستنا الداخلية، وهي سياسة راسخة كان العامل المشترك فيها عدم التهاون فيما يمَس السيادة الوطنية مهما كانت مكانة هذه الدولة أو تلك. ويحفظ التاريخ لملوكنا الراحلين - رحمهم الله جميعاً- مواقف قوية مماثلة ضد ممثلي عدد من الدول الكبرى؛ من لدن الملك سعود، حتى قرار سلمان الحزم الأخير، فما بال كندا لا تتعظ بعد كل هذا التاريخ المعروف للقاصي والداني؟! ولعل قرار طرد السفير الكندي في المملكة وتجميد تعاملاتها التجارية معها، يوضح بجلاء مدى قوة المملكة سياسياً واقتصادياً، فالسعودية التي تقود حرباً متواصلة في اليمن منذ ثلاث سنوات؛ لا تتوانى في اتخاذ قرار كهذا ضد إحدى الدول الكبرى غير عابئة بتبعاته السياسية والاقتصادية؛ فما يمس سيادة المملكة دونه الأرواح وليس علاقات الدول الزائلة فقط. إن التحول الوطني الكبير الذي تشهده المملكة حاليًّا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان؛ هو تطور سياسي واقتصادي يكمل بعضه بعضًا؛ فقوة المملكة الاقتصادية تنبع من قوتها السياسية؛ لذلك فإن قرار طرد السفير يوجه عدة رسائل في عدة اتجاهات، أبرزها أن حرص المملكة على تنفيذ رؤية 2030 التي تركز في أغلبها على الجوانب الاقتصادية، لن يجبرها على التخلي عن مبادئها في صون كرامتها والدفاع عن سيادتها مهما كلفها ذلك، كذلك يشير القرار إلى أن التحالفات الدولية والإقليمية للمملكة لن تكون أبداً سبباً في تخليها عن مبادئها الوطنية المعروفة. وقبل كل ذلك تبقى الرسالة الأهم وهي أن المملكة ما زالت تحتفظ بمكانتها كقوة إقليمية كبيرة يعمل لها الآخرون ألف حساب، وكدولة مؤثرة في المحيطين القاري والإقليمي. وتظل المملكة حائط الصد الأول للخليج والعرب، ضد كل التدخلات السافرة، سواء من الغرب أو من غيره، وتظل قيادتها منبع الحكمة والمنعة والقوة في المنطقة. Your browser does not support the video tag.