تناولتُ في مقال الأسبوع الماضي تحت عنوان «تأكيد الحزم على اجتثاث جذور الفساد» نقاش خبر القبض على أحد المسؤولين التنفيذين في وزارة الدفاع، إثر قيامه بتعاملات مشبوهة نتج عنها القبض عليه متلبساً عند استلامه مبلغ مليون ريال؛ واقترحت في معرض حديثي عن تلك القضية التي تعكس تعاطي الدولة بموضوعية وشفافية عالية مقترح استحداث قنوات رسمية معلنة محلياً ودولياً لتلقي البلاغات التي لها ثقل اقتصادي وتأثير سياسي على سمعة الوطن، وفي ذلك تأكيد لمصداقية مسيرة المكافحة وتوفير السرية العالية وسرعة التعاطي، مستشهداً بوجود الرغبة العالية للمشاركة سواء لدى الأشخاص الطبيعية أو المعنوية، وطنية كانت أم أجنبية، للمساهمة في المحافظة على مقدرات الوطن ومكتسباته، نتيجة ما يعيشه الوطن من نهضة تنموية وحراك اقتصادي وحضور استثماري غير مسبوق، وما يترتب على ذلك من تنفيذ مشروعات ودخول استثمارات جديدة للمساهمة في تحقيق مستهدفات رؤية الوطن 2030. واستدراكاً لما قد يكون فاتني بيانه لمحدودية مساحة المقال، أقول إن جهود الجهات الرقابية المعنية بمكافحة الفساد للتواصل مع العامة بطرق عدة ومتنوعة ملموسة ومعلنة للكافة، لكن ذلك لم يكن المقصود من حيث درجة فعالية الحماية وسرعة الإجراءات المتخذة بعد تلقي البلاغ عن واقعة فساد، بما في ذلك ما تستلزمه بعض الحالات الحساسة من سرية عالية لمعلومات المبلغ وسرعة المعالجة حفاظاً على السمعة إجمالاً، وإنما كذلك توفير الحماية القانونية والحصانة القضائية للحماية من أي إجراءات انتقامية عكسية نتيجة المبادرة بالإبلاغ، فالفساد قوي ومنظم وقبل ذلك خفي، ويعرف متى وأين يظهر، ومع من يتعامل، وله لاعبوه الأساسيون الذين في علاقتهم وتعاملاتهم حريصون على التكاتف وعدم الانكشاف أو ترك أي أثر يدل على هويتهم أو تعاملاتهم الفاسدة. وحيث إن ديناميكية الفساد المؤسساتي أكثر استفحالاً في مفاصل وأدوات ووسائل الفرص الاقتصادية في القطاع الخاص وأكثر تفاقماً وتهديداً وتشويهاً لمقومات الأمن الاقتصادي الوطني ومقومات الثقة في مناخه الاستثماري، فإن ما قصدت الوصول له في المقال السابق وبجانب ما هو موجود لدى الجهات الرقابية من قنوات معروفة لتلقي البلاغات، هو مقترح إنشاء وحدة لتلقي البلاغات ذات العلاقة بالبرامج والعقود والمشروعات الكبيرة، وتربط مباشرة ب»اللجنة العليا لمكافحة الفساد»، أو ب»معالي النائب العام»، وفي ذلك تحفيز للعلاقات التجارية التي تتميز بالنزاهة في ممارساتها والشفافية في تعاملاتها من عدم التردد عن المبادرة بالإبلاغ، والأهم من ذلك تأكيد قدر الحماية القانونية والحصانة القضائية الممنوحة لها والتي تستمد درجة متانتها من مدى قوة المانح لها في ظل غياب التشريع المحقق لهذا الغرض. Your browser does not support the video tag.