شكلت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة صورة جديدة عن التطور السياسي في العراق وتغيرا كبيرا في الرأي العام العراقي، حيث اتضحت مجموعة من الملامح السياسية العراقية الجديدة والتي تنذر بتحولات دراماتيكية في المشهد السياسي العراقي المستقبلي. بروز الهوية العراقية على الهوية الطائفية الفكرة الطائفية استفاد منها خبراء موالون لإيران في واشنطن للترويج لمسايرة إيران في العراق والتي أيضا استفادت منها إيران في الترويج لثورتها الإسلامية وتصديرها النفوذ إلى العمق العراقي إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة قد دحضت هذه الفكرة التي قالت إن العراق لا يملك هوية وعممت الهوية الطائفية، وواضح جدا أن الهوية العراقية كانت حاضرة في النتائج الأخيرة لذا فإن ذلك يمثل إشارة قوية لسياستها في العراق والشرق الأوسط بأن مسايرة إيران خطأ استراتيجي كبير قلل من الدور الأميركي وصورته في العراق والشرق الأوسط. رفض معظم الطبقة السياسية الحالية والحاجة لقادة جدد عنصر آخر في هذه النتائج هو أن 60 % من العراقيين قاطعوا الانتخابات وأداروا حملة عراقية تتهم الطبقة السياسية العراقية بالتسلط والعنف والفساد والطائفية لذا يجب أن يؤخذ في نظر من سيسعى لتشكيل حكومة نسبة المقاطعة الرافضة للطبقة السياسية وللنفوذ الإيراني وتشكيل حكومة تقنوقراط لا تنتمي للكتل الرئيسة وتمثل نسبة المقاطعين، وأن هذه المقاطعة تنذر بمقاطعة أكبر في المستقبل وقد يؤدي إلى فشل الفكرة الديمقراطية، لذا هناك حاجة لفهم الجمهور المقاطع وحاجته وحجمه المستقبلي. بروز دور عائلة الصدر أولا: فوز السيد مقتدى الصدر هو فوز للتيار الاجتماعي الشيعي الذي ينادي بالوحدة الوطنية والذي حاول مرارا وتكرارا الانسلاخ عن إيران والابتعاد عنها مسافات عديدة وهنا يجب أن أشير إلى دور عائلة الصدر الطويل في العراق والذي حاول بعض ذوي الولاءات الإيرانية إغفاله إلا أنه بالتأكيد سيكون مرحلة مهمة في عملية تخليص العراق من النفوذ الإيراني إن أجاد الأميركيون الطريق الصحيح للتعامل مع العراق ومهما كانت سلبيات الصدر فإن هناك حاجة لدفع اتجاه تعميق العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة عبر وسطاء براغماتيون قادرون على إدارة اللعبة في غلق الأبواب العراقية تجاه إيران وفتح هذه الأبواب لشراكة أميركية طويلة الأمد من خلال كسب الصدر وأرى أن هناك نوعين من الوسطاء الأول الوسيط العربي المتمثل بدول الخليج والثاني عراقي ممن يؤمن بأهمية الشراكة الأميركية العراقية ويرفض السيطرة الإيرانية. عائلة الصدر لديها خلافات وصراعات مع إيران ومواليها فالزعيم الشيعي الإمام موسى الصدر والذي تم إخفاؤه بمؤامرة ذكرت دراسة أنها دبرت من قبل الخميني بالتعاون مع معمر القذافي لأن الإمام موسى الصدر كان المنافس على زعامة الشيعة على حساب الخميني الإيراني. ثانيا: إن عائلة الصدر عائلة مساهمة في تأسيس الدولة العراقية، حيث كان محمد حسن الصدر رئيسا لوزراء العراق وعضوا في مجلس الأعيان العراقي في بداية الخمسينات والأربعينات والذي رفضت إيران حينها الاعتراف بالدولة العراقية إلا بعد اثني عشر عاما من تأسيس دولة العراق حيث كانت تطالب البريطانيين بأجزاء من البصرة والموصل عبر الوسيط السوفيتي السابق. ثالثا: إن المنافسة السياسية في الانتخابات الحالية هي منافسة بين "سائرون" التيار العراقي الذي يقوده السيد الصدر والحشد الشعبي الذي عمقه إيراني وتتولاه قيادات قريبة من إيران بل تابعة لها. سقوط الصقور الطائفية شكل عدم فوز عدد من الأسماء الطائفية مثل عباس البياتي والنائبة حنان الفتلاوي والتي سبق وأن طالبت علنا وفي وسائل الإعلام بقتل سبعة أشخاص سنة مقابل مقتل سبعة أشخاص شيعة وفشلها في الحصول على مقعد برلماني واحد رغم إمكانيتها المالية الهائلة والبذخ على حملتها الانتخابية عبر كتلتها المسماة (إرادة) وشكل ذلك دليلا واضحا على أن هناك تحولا دراماتيكيا في طريقة التفكير العراقية تجاه ساسته وأن الدعاية الطائفية أصبحت بائسة وغير مؤثرة في الرأي العام العراقي. رفض داعش والطائفية فوز العبادي رئيس الوزراء المنتهية ولايته في مدن سنية وأولها الموصل يؤكد أن جماهير الموصل سعيدة بالتخلص من تنظيم داعش الإرهابي وأن طوق الطائفية قد انتهى وأصبح العبادي الشيعي والمنتمي لحزب الدعوة هو المفضل لديها وليس البحث عن زعيم سني محلي كما كان يحصل في الانتخابات السابقة. الانهيار الإيراني في الوسط الشيعي كانت هناك تخمينات كثيرة بأن هادي العامري وأبو مهدي المهندس سيحققان فوزا ساحقا عبر كتلتهما السياسية الفتح، وخاصة أنهما كانوا يمتلكون عنصر القوة العسكرية والميليشيات التي شكلت قوات الحشد الشعبي يضاف إلى دعاية سياسية بأنهما المدافعان عن العراق عبر قتالهما داعش وزادت هذه التخمينات لتتوقع بأن العامري سيكون رئيسا للوزراء العراقي القادم وفعلا كتب الكثير من الخبراء عن توقعهم ذلك ولكن النتائج شكلت صدمة لقادة ميليشيات الحشد وإيران خاصة بعد فوز الصدر. أما حصول قائمة الفتح التي تمثل مجموع الميليشيات الموالية لإيران بخمسين مقعدا فإن هذا لا يشكل فوزا فهذه النتيجة لم تأت من رأي عام عراقي حر بل جاءت من خلال ثلاثة عناصر رئيسة الأول: هو التصويت الخاص للقوات العسكرية التابعة للحشد والذي صوتوا لمؤسستهم كموظفين تابعين لها، وثانيا: من خلال إجبار بعض النازحين والرازحين تحت سيطرة قوات الحشد في مدن مثل بعض أجزاء الموصل وديالى وإجبارهم بقوة السلاح للتصويت لقائمة الفتح، وثالثا: من خلال ملايين المشاركين في إيران والذي لديهم الولاء الإيراني والذي معظمهم منتمون أو ذوي ولاء للحرس الثوري الإيراني. خيارات تشكيل الحكومة العراقية (الخيار الأول) : تشكيل حكومة بعيده عن نفوذ إيران والذي يمكن أن يعطي للولايات المتحدة الأميركية دورا بارزا في جذب الصدر إلى جانبها من خلال تحالف السيد الصدر (قائمة سائرون 55 مقعدا) مع السيد العبادي (النصر 50 مقعدا) والقرار العراقي (15 مقعدا) والحكمة (12مقعدا) والبرزاني (24 مقعدا)، وكتل أخرى صغيرة وأعتقد أن كتلة العبادي قد تتفكك بين الذهاب بين خيار إيران في تشكيل الحكومة ولكن هذا لن يؤثر لأن عدد المقاعد مع كتل متفرقة أخرى يمكنه تشكيل حكومة وتحديدا هناك كتل أخرى صغيرة يمكن أن تندمج لتشكيل الكتلة الأكبر لتشكيل الحكومة، أما رئيس وزراء المرشحين لهذا الخيار هم علي دواي محافظ السماوة السابق وهو رجل نزيه ولكنه لا يمتلك خبرة، أو إبقاء العبادي أن وافق الصدر أو عادل عبدالمهدي وهو كان نائب رئيس الجمهورية الأسبق. الخيار الثاني (الخيار الإيراني): وهو الخيار الذي ستكون فيه كتلة إياد علاوي (21 مقعدا) مع كتلة الفتح التابعة لإيران (50 مقعدا برئاسة هادي العامري)، وكتلة دولة القانون (25 مقعدا برئاسة السيد نوري المالكي) والاتحاد الوطني الكردستاني (15 مقعدا) وقد يتم جذب كتل صغيرة وأيضا جذب جزء من كتلة العبادي وهو خيار معقد وقد يقدمون السيد إياد علاوي كمرشح لرئاسة الوزراء لخداع الغرب والعرب والشعب العراقي كونه شخصية علمانية. الخيار الثالث (التوافق الفاشل): وهو أيضا خيار الخبث الإيراني، والذي سوف يستخدم الصدر كخط أول والذي يمثل الوطنيين في المواجهة المباشرة مع أميركا إن نشأ صراع أميركي - إيراني وإذا تم تأسيس حكومة شراكة جامعة لكل الأطراف ومنح للصدر فرصة تحديد رئيس الحكومة فقط مع مشاركة الأطراف الموالية لإيران في تشكيل الحكومة فإن ذلك لن يعني حلا بل تجذير للمشكلة واستمرارا لها، حيث ستدفع إيران الصدر للمواجهة مع أميركا وإحراجها أكثر خاصة أن الصدر قادر على جذب الوطنيين السنة وبالتالي يمكن تشكيل جبهة تحرج الولاياتالمتحدة وتكون القوات الموالية لإيران في الخط الثاني من المواجهة. والخيار الأفضل هو حكومة برئاسة العبادي بدعم من الصدر من خلال انسحاب العبادي من الدعوة وتشكيل حركة مدنية وتأسيس حكومة تقنوقراط من الكفاءات التي لا تنتمي للأحزاب لتلبية مطالب المقاطعين البلغ حجمهم 60 % وكذلك دفع قوات الميليشيات التابعة للحشد الشعبي لتكون في المعارضة البرلمانية على شرط تخليها عن السلاح، وعلى الولاياتالمتحدة الأميركية أن تتبنى استراتيجية جديدة لاستعادة العراق من إيران من خلال فهم من هم الذين يمثلون 60 % واستقطابهم ضمن مشروع مستقبلي لإنتاج شراكة استراتيجية عميقة تتبلور في انتخابات 2022. *باحث سياسي عراقي في واشنطن د. هيثم هادي نعمان الهيتي Your browser does not support the video tag.