أليس من الغريب أن يعيش الإنسان صدمة حضارية في بلده وبين أهله؟، هذا بالضبط ما يمكنني أن أصف به ما حدث لي عند عودتي من بريطانيا بعد غربة ست سنوات عن بلادي الحبيبة ومدينتي الرياض. الكثير تغير.. وبسرعة ضوئية. أكاد أنسى أين أنا أحياناً. أيعقل أن بلادي تشارك في مهرجان كان السينمائي بفيلم سعودي؟! أحقاً سأقود سيارتي لأذهب إلى السينما في عطلة نهاية الأسبوع؟، ماذا عن الفعاليات التي تجري يومياً في مدن المملكة؟، أرجوك أن لا تضحك عزيزي القارئ عندما أخبرك بأن حتى حي البجيري التراثي قد أدهشني. عندما تركت الرياض قبل ست سنوات أياً من هذا لم يكن متاحاً. طاقة المكان (أو كما تسمى بالإنجليزية the vibe) في الرياض تغيرت جذرياً ولا أبالغ حين أقول: إني ألمس الفرق (بالذات لكوني امرأة) حتى في أبسط الأمور، كسيري في الشارع دون أي مضايقات أو حتى نظرات تشعرني بأن منظر فتاة تمشي في شوارع الرياض هو منظر فضائي مستهجن وغريب. بل على العكس، أصبحت أشعر أن وجود السيدات بات مرحباً به في الأماكن العامة. أرى المرأة السعودية اليوم بائعة ومتسوقة، أراها مشجعة في الملعب وعضوة في المجلس وكاتبة في الصحيفة ومُنظِّمة في معارض الرياض، وضيفة ومحاورة على الشاشات. أراها مع أسرتها ومع صديقاتها في المطاعم والمقاهي التي لم تعد مجموعة من الصناديق التي نختبئ داخلها لنأكل طعامنا منفردين، ومن ثم نعود للمنزل في سيارات مظللة دون أن نرى أحداً ودون أن يرانا أحد! باتت هذه التجارب الاجتماعية متكاملة الأركان وطبيعية. لا يمكن أن تجد وصفاً يصف السعودية اليوم أنسب وأدق من أن تصفها بأنها شابة، يافعة. ترى روح الشباب في كل تفاصيلها الجديدة، في فعالياتها الثقافية، محافلها الرياضية، إعلامها الجديد، كل شيء فيها عصري وحديث يتأجج نشاطاً وحيوية حتى باتت مضرب مثل لأشقائنا في دول الجوار. تصفحت تويتر بالأمس لأجده يضج بتغريدات عن حفل ختام كأس الملك فهد في جدة. ما شاهدته في مقاطع الفيديو التي غطت الحفل أبهرني! تمنيت لو كنت هناك. كل شيء لامس مشاعري وحركها، من تنظيم موكب الملك ومشهد الخيول العربية التي رافقت سيارته، لحظة تزين السماء بالصقر والسيفين والنخلة، وحتى صدى أصوات الجماهير وهي تردد خلف أبو نوره "يستاهلك .. يستاهلك". بالفعل نحن نستاهلك، نستاهل هذا البلد الحي المتطور النابض بالحياة. تمنيت لو كنت أتوسط المدرجات وأصرخ معهم بأعلى صوتي "إنتي ما مثلك في هالدنيا بلد". أحمد الله أن هذا ما عدت إليه، إلى بلد تفتح لي ولشبابها آفاقاً من الفرص، وتوفر لهم حياة تفاصيلها تشبههم. سعودية جديدة موائمة لهذا العصر.. انتظرناها طويلاً ونتغنى اليوم بملء أفواهنا بأن "ما مثلها في هالدنيا بلد"!. Your browser does not support the video tag.