أكد تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة بدولة الإمارات العربية المتحدة، أن قطاع النفط الإيراني قد يتعرض لتهديدات محتملة تتزامن بعد قيام الإدارة الأمريكية الحالية بالانسحاب من الاتفاق النووي النهائي المُوَقَّع بين إيران والمجموعة الدولية (5+1) في يناير 2016، ومن ثَمّ إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران قد تتمثل في حظرٍ شبه كليٍّ على إمدادات النفط للأسواق الدولية، وذلك بعد مرحلة من الانتعاش شهدها العامان الماضيان بفضل زيادة حصة صادرات النفط الإيرانية بالأسواق الدولية تدريجيًّا. وأضاف التقرير ومع ذلك، تبدو فعالية العقوبات الأميركية هذه المرة محدودة، ليس لعدم اقتناع العديد من القوى الدولية والإقليمية بالخطوة الأمريكية المزمعة فقط، وإنما أيضًا في ظل توتر العلاقات الأميركية مع القوى الدولية وفي مقدمتها الصين بسبب الحرب التجارية الدائرة بينهما حاليًّا، وهذا ما قد يَحدُّ من درجة الامتثال دوليًّا للعقوبات الأميركية في الوقت الراهن. مكاسب إيران السابقة وأشار التقرير أن مثَّل الاتفاق النووي النهائي المبرم بين إيران ومجموعة القوى الدولية (5+1)، في يناير 2016، فيما يعرف بخطة العمل المشتركة الشاملة، مكسبًا اقتصاديًّا كبيرًا للجانب الإيراني، حيث إن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها بموجب الاتفاق أدى إلى استعادة الصادرات الإيرانية لحصتها بالأسواق الدولية تدريجيًّا، وبما مهد في الوقت نفسه لجذب الاستثمارات الأجنبية في المشروعات المختلفة لا سيما بقطاع النفط والغاز الطبيعي، وبنهاية شهر أبريل الماضي، سجلت صادرات النفط الإيرانية (النفط الخام ومكثفات الغاز الطبيعي) مستوى قياسيًّا جديدًا بكميات بلغت 2.83 مليون برميل، أي مرتين ونصف أكثر من مستواها قبل توقيع الاتفاق النووي النهائي البالغ وقتها مليون برميل يوميًّا، ويتزامن ذلك مع نمو إنتاج النفط بالبلاد بما يقدر بنحو 3.82 ملايين برميل يوميًّا، أي بزيادة حوالي مليون برميل قبل توقيع الاتفاق. وأضاف التقرير وفي الوقت نفسه، بدا انخراط إيران مجددًا في أسواق النفط العالمية مشجِّعًا للمستهلكين على زيادة مشترياتهم من طهران، خاصة في ظل جاذبية أسعار الخام الإيراني، وقد زادت أوروبا من مشترياتها من النفط الإيراني باضطراد لتستحوذ تقريبًا على ثلث صادرات إيران من النفط الخام، وبكميات بلغت أكثر من 700 ألف برميل يُوجَّه معظمها لتركيا وأسواق أخرى مثل فرنسا وإيطاليا واليونان وإسبانيا وغيرها من الدول. فيما كانت الأسواق الآسيوية في الفترة الماضية الوجهة الرئيسية لصادرات النفط الإيراني، حيث سيطرت على ما يتراوح بين 60 إلى 70 % من الصادرات الإيرانية على نحو برزت فيه الصين كأكبر مشترٍ للنفط الإيراني في عام 2017، تلتها الهند، فيما جاء بين المشترين الرئيسيين الآخرين كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وغيرها من الدول الآسيوية. واوضح التقرير أن المكاسب المحققة لا تقتصر على النفط فقط، وإنما امتدت للغاز الطبيعي أيضًا، حيث تجاوز إنتاج الخام نحو 850 مليون متر مكعب يوميًّا بالتوازي مع بدء تطوير إيران حقل غاز جنوب بارس ليصل إنتاجه إلى 550 مليون متر مكعب يوميًّا مقارنة بالمستويات السابقة البالغة 280 مليون متر مكعب، بما عزز من خطة إيران لتزويد بعض الدول المجاورة بالغاز الطبيعي وفي مقدمتها العراق. خروقات إيران للاتفاق مستمرة وأشار التقرير تبنّت الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب منذ توليه الحكم في يناير 2017 اتجاهًا يُشكك في جدوى الاتفاق النووي في الضغط على إيران، سواء لتجميد نشاط برنامجها النووي وتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، أو وقف أعمالها العدائية المُهدِّدة لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وبناء عليه، لوّح الرئيس الأميركي "ترمب" منذ توليه الحكم في العام الماضي في أكثر من مناسبة بإمكانية الانسحاب من الاتفاق النووي النهائي ما لم يقدم الشركاء الآخرون -وهم: الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة- على سد الثغرات والخروقات بالاتفاق النووي، الأمر الذي يُعتبر جوهريًّا بالنسبة للولايات المتحدة للالتزام به والمضي في رفع العقوبات. وأضاف التقرير أنه في ظل تباطؤ القوى الدولية الأخرى في تعديل الاتفاق، اتجهت الإدارة الأميركية على مدار الأشهر الماضية لتشديد العقوبات المفروضة على النظام الإيراني والشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني وبعض الشركات الأجنبية بسبب تطوير البرنامج الصاروخي الباليستي، وكان أبرزها عندما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على 14 شخصية ومؤسسة إيرانية من بينهم رئيس السلطة القضائية الإيرانية "آية الله صادق لاريجاني" في يناير الماضي، وفي هذه الأثناء أيضًا، أحجمت كثيرا من الشركات الأجنبية عن ممارسة الأعمال في إيران خوفًا من العقوبات الأمريكية، حيث تساهم شركات الحرس الثوري الإيراني في كثير من مشروعات النفط والغاز الطبيعي بالبلاد، كما لم تتمكن إيران أيضًا من تنفيذ الصفقات التجارية والاستثمارية التي أبرمتها مع شركات أجنبية مثل بوينج الأمريكية وإير باص الفرنسية وتوتال الفرنسية. تهديد اقتصادي وأكد التقرير أن الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي يمثل تهديدًا أكيدًا للاقتصاد الإيراني إذا نجحت في فرض حظر شبه كلي على صادرات النفط الإيراني للأسواق الدولية، على غرار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها حتى نهاية عام 2016، وسيتوقف مستوى الأضرار التي ستتعرض لها الأنشطة الاقتصادية في هذه المرة على مدى التزام القوى الدولية الأخرى بالعقوبات الأميركية. لكن من المؤكد أن فرض عقوبات جديدة على إيران سيعرقل نهائيًّا من خطوات الشركات الأجنبية خاصة الأوروبية الطامحة للمشاركة في مشروعات النفط والغاز الطبيعي الإيراني، ومن بينها بطبيعة الحال صفقة شركة توتال الفرنسية مع الحكومة الفرنسية لتطوير المرحلة 11 من حقل بارس الجنوبي، وهذا ما سيقضي على الطموح الإيراني في تطوير طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي. واختتم التقرير يمكن القول إن التهديد الأساسي للعقوبات الأمريكية المقبلة على قطاع النفط الإيراني لا يتمثّل في خفض إمدادات النفط للأسواق الدولية وإنما تجميد الخطوات الإيرانية نحو دعم طاقتها الإنتاجية من النفط والغاز الطبيعي على حد سواء ولفترة طويلة. Your browser does not support the video tag.