تكاد تجمع كتب التحفيز والتطوير الإداري أن التفكير الإيجابي هو مفتاح النجاح، وبالتالي تحقيق هدف الحياة السعيدة، لكن المؤلف والمدون «مارك مانسون» يرى غير ذلك، بل يشتم الإيجابية المتواصلة، ويرى أنها قد تكون حاجراً أمام حل مشكلاتنا وتحدي أنفسنا، ويرى الحل في اتقان مهارة اللامبالاة! كان «تشارلز بوكوفسكي» أخرق وبخيلاً، يعمل نهاراً في مكتب بريد كئيب وينفق ماله ليلاً على الخمر والقمار، كان أن يأمل أن يصبح كاتباً لكنه واجه الرفض من كل مجلة وصحيفة بعث لها نصوصه.. ثلاثون عاماً مضت هكذا.. قبيل الخمسين من عمره أبدى محررٌ اهتماماً غريباً بما يكتب، قرر المراهنة عليه، بعد توقيع العقد أنجز «بوكوفسكي» روايته الأولى خلال ثلاثة أسابيع فقط، وأطلق عليها اسم «مكتب البريد»! حقق «بوكوفسكي» ناجحاً باهراً.. نشر ست روايات ومئات القصائد.. خالف نجاحه توقعات الجميع؛ بل خالف توقعاته هو نفسه، والقصة قد تكون مناسبة لما يطلق عليه بالحلم الأميركي: رجلٌ يكافح لأجل ما يريد، ولا يستسلم أبداً، لكن «مانسون» يرى غير ذلك، فنجاحه لم يكن نابعاً من إصراره، بل من إدراك «بوكوفسكي» أنه شخص فاشل يحب الكتابة، لم يحاول أن يكون شيئاً آخر غير ما كان حقاً. تركز ثقافة النجاح التي يروج لها على ضرورة الإيجابية المتواصلة والعمل الجاد والتطور الذاتي دون توقف، وهذا ما يجعلنا مشتتين، وغير مركزين على ما نبرع فيه، لأننا نركض في كل اتجاه نحو الأكثر سعادة، والأفضل صحة، والأعلى راتباً، لكن هل لاحظت يوماً أن إنجازك في شيء محدد يتحسن حينما يقل اهتمامك به أو قلقك عليه؟ قد يكون السبب هو تحسن حالتك النفسية، لكن تبني أسلوب عدم المبالغة في أمر ما حتماً يعطي الإنسان وقتاً وموارد أكثر لمواجهة تحديات الحياة الأكثر صعوبة وإثارة للقلق، وهنا نصل إلى بيت القصيد: « اللامبالاة»، التي تبدو سهلة من الوهلة الأولى، غير أنها تحتاج جلداً ونفساً طويلاً لتطبيقها. يومياً نبالغ في الاهتمام بأشياء كثيرة لا تستحق ذلك، نهتم وقد ننزعج من عامل البقالة الذي يتجاهلنا، نصرف الأوقات في الأحداث الهامشية ونتغافل عن أهم المهم، الفكرة ببساطة أنك وحينما تهتم بأشياء أكثر مما يجب، وعندما تحرص على كل شيء تقريباً، وتحاول أن ترضي الجميع، تعتقد أنك سوف تكون سعيداً ومرتاحاً، لكن للأسف كل ذلك الاهتمام لن يمنحك ما تأمل في النهاية، لأنك سوف لن تنجح في كل شيء، لن ترضي الجميع، لن تحقق كل الأهداف، لذا فكلمة السر هي قدرٌ من «اللامبالاة»، والتي لا تعني أن تسكن وتبتعد، بل أن تهتم بالنحو الذي يريحك أنت وينفعك أنت.. جرب أن توقف اهتمامك بعدد محدد من الالتزامات والاهتمامات، ثم حاول زيادة تلك القائمة تدريجياً حتماً سوف تلاحظ الفرق بسرعة. Your browser does not support the video tag.