حدثت كارثة عام 1989م في مباراة ليفربول ضد نوتنغهام راح ضحيتها الكثير من الأرواح بسبب تقصير الشرطة وتحميل الجماهير المسؤولية. إلا أن تلك الحادثة لم يأخذها الوقت وتتلاشى، فرئيس الوزراء البريطاني الأسبق خرج على العلن واعتذر قائلاً: «باسم الحكومة والدولة بأكملها أنا متأسف جداً على هذا الظلم المزدوج الذي بقي دون تصحيح لفترة طويلة». ومما جاء أيضاً في الاعتذار.. لم ترَ أميركا وبريطانيا بأساً في بيع وشراء البشر في أحد أزمنتها الغابرة، إلا أنه وبعد أن مضى زمن طويل اعتذر (بيل كلينتون) واعتذر (توني بلير) بكل صراحة عن ذلك رغم أن تلك التجارة لم تكن قائمة في زمنهما. يحدث أن يأتي الاعتذار متأخراً لأن الحقوق الماضية مدعاة للغبن المترسب في النفس، ولأن الكرامة المهدرة مؤذية! التفكير في الخسارات القديمة والحرمان القديم، ليس اجترارا سوداويا بقدر ما هو ضرورة للتأمل في حال النفس والمجتمعات وتاريخ الدول، للتأكد من أن الشبح لن يظهر بأوجه أخرى جديدة. العودة للجذور والأساسيات وتحليلها وتفكيكها مهم، لكي نتعرف على ماضينا الذي يدخل بشكل أساسي في تكوين الحاضر والمستقبل؛ من نحن وكيف كنا وعلى ماذا أصبحنا وكيف نريد أن نكون؟! كما أدرك تماماً الصيرورة وأن الزمن متحول ومتغير والقاعدة الثابتة: لا شيء ثابتاً، لكن المرارة من فقد حق أصيل كالتعليم، الحرية، الكرامة والأهلية أو العمل أو حتى الحياة، من الصعب أن يتحول ذلك المر إلى طعم حلو مستساغ بمجرد تحولات قانونية نظامية مفاجئة وسريعة لم تجد فئات المجتمع وخاصة المتعنتة مفراً من مواكبتها بعدما كانت قد بُنيت على قناعات أفراد ذوي جهل مقدس وغايات غامضة أو ذوي إيديولوجية متطرفة فرضت نفسها قسراً على القانون والناس لزمن طويل وبقيت كذلك دون تصحيح. وأيضا حرمان -سمّوا من شئتم- من السفر وحضانة الأطفال والسكن والنفقة، المتعة والرياضة، الثقة والسلام، الحقوق المدنية وطبيعية الحياة، سواء على صعيد عام وما انعكس نتيجة لذلك على الأصعدة الفردية التي أعطت للجاهل خنجراً واللئيم سوطاً، لأن المرأة كما رغبوا أن تكون غير كاملة الأهلية وليست كفؤا أن تستقل بذاتها ولا ينفع لو تحملت مسؤوليتها الشخصية. ومن شأن ظلم النساء أنه عتيق وممطط، فيذكر أن هناك خطاب اعتذار قدمه البابا جون بولس عن سوء معاملة الكنيسة الكاثوليكية عبر تاريخها كله للنساء وكان عنوانه: (خطاب إلى كل امرأة). فهل الغفران كافٍ والمضي قدما هو الحال المحتم؟! لكن للماضي سلطة على اليوم وانعكاس على الذاكرة الجمعية ونشوء الشعور بانعدام الكفاءة والأمان، فقد كان لكل ذلك أبعاد اجتماعية ضربت في العمق ولا يمكن أن تختفي هكذا بفرقعة إصبع، لأن التحولات الاجتماعية من أخطر وأصعب وأثقل أنواع التحولات التي قد تحدث للبشر والدول. نحمل مسؤولية الظلم القديم من؟ وما العمل فيما نُظلم به الآن؟ ممن نطالب برد الاعتبار، وهل يكفي العدول عن المواقف القديمة واستبدال قديم الفتاوى بأخرى جديدة تناسب وتتناسق مع شكل الحاضر؟! مقتل الفتيات في حريق المدرسة المتوسطة (31) بمكة عام 2002م، عندما أغلقت البوابات عليهن وألسنة النار تلعقهن، هذا لأنهن لم يكن محجبات..! ولا أنسى مقتل آمنة باوزير أيضا رحمة الله عليهن جميعاً، هل نلتفت إليهن بأسى ونتنفس الصعداء أننا تجاوزنا ذلك التزمت وحسب..! يعرّف رد الاعتبار ب (أن يخرج الفرد من دائرة التهمة وترد له حريته ويمارس حقه الشرعي والمدني..) وهذا ما تريده المرأة السعودية الخروج من دائرة التهمة تماماً اجتماعياً وقانونياً ودينياً وضمان عدم العودة إليها بأي شكل آخر. Your browser does not support the video tag.