في المقالة السابقة استعرضت التحدي الأكبر الذي يواجه مؤسستي التقاعد والتأمينات وهو ارتفاع نسبة من أعمارهم فوق 65 سنة إلى إجمالي القوى العاملة (معدل الاعتماد) من 5 % في 2015 ليصبح 50 % في 2075 وذلك بسبب انخفاض معدل الخصوبة (عدد المواليد لكل امرأة في المتوسط) من 6,6 مولود/ إمرأة في عام 1973 ليصبح 2,4 مولود/ إمرأة في عام 2016، وكذلك ارتفاع متوسط الأعمار خلال نفس الفترة من 56 سنة إلى 76 سنة مما يعني شيخوخة السكان وصعوبة الوفاء بمستحقات المتقاعدين مستقبلا. في هذه المقالة سوف أناقش عددا من الحلول المقترحة لمعالجة العجوزات الاكتوارية في الصناديق علاوة على الحل الذي تم طرحه في المقالة السابقة وهو الحد من التقاعد المبكر. يعاني نظام التأمينات من انتشار السعودة الوهمية، حيث أن عددا كبيرا من المشتركين يدفعون اشتراكات منخفضة لسنوات طويلة، ثم يتم تعويضهم بناء على رواتب آخر سنتين. في رأيي يمكن سد تلك الثغرات عبر حساب المعاش التقاعدي على أساس رواتب معظم سنوات الخدمة، كما أن اعتبار جميع سنوات الخدمة عند احتساب المعاش التقاعدي سيسهم أيضا في الحد من التأثير الاكتواري للارتفاع المفاجئ للرواتب في آخر سنوات الخدمة. وأنوّه أن ذلك لا يعني بالضرورة معاش تقاعدي أقل، وإنما هو اختلاف فقط في طريقة الحساب لسد تلك الثغرات. إن إصلاح أنظمة التقاعد لا يقف عند ذلك فحسب، بل يمتد إلى حوكمة الصناديق. إذ من الضروري أن تستقل الصناديق عن الوزراء التنفيذيين وأن ترتبط مباشرة بالمقام السامي، لأن ذلك سوف يوفر لها المساحة الكافية للتحرك من أجل حماية مصالح المشتركين والمتقاعدين، ومن ذلك تحصيل المتأخرات لدى وزارة المالية، واستقلال أكثر للقرارات الاستثمارية. كما ينبغي أن تكون الأنظمة مرنة وتتغير باستمرار مع تغير المعطيات مع اعتبار التدرّج في التغيير. بالإضافة إلى ضرورة مراجعة الأداء الاستثماري للصناديق، وهنا ينبغي ملاحظة أن العجز الاكتواري سيبقى حتى وإن حققت الصناديق عوائد استثنائية وذلك لأن المشكلة اكتوارية بالدرجة الأولى، كما أننا كمراقبين لا نستطيع تقييم أداء تلك الصناديق في ظل عدم الإفصاح. ولذلك فإن أي تغيير يجب أن يبدأ برفع درجة الشفافية عبر نشر الأرقام التفصيلية لصناديق التقاعد وخصوصا تلك الدراسات الإكتوارية التي تقوم بها الجهات المستقلة ليتعرف أصحاب المصلحة على مدى ملاءة تلك الصناديق، وليتمكن المراقبون من مساندة الصناديق عبر النقد المستمر وطرح الحلول. إن الغاية من إنشاء الصناديق هي الحماية المالية للمواطنين بعد أن يصلوا إلى سن التقاعد، بما يكفل لهم العيش الكريم، مما يعني أن الأولوية للفئات الأكثر حاجة، ولذلك ينبغي تسخير الصناديق لدعمهم، وليس ليستأثر بها الأكثر اقتدارا. كما أن إصلاح أنظمة التقاعد من الأمور التي لا تحبذ الحكومات القيام بها لما يصاحب ذلك من إجراءات صعبة وقاسية. في حين أنه لا تزال لدينا مساحة لتقديم إصلاحات واقعية ذات آثار محدودة، إذ أن استمرار العجز الإكتواري سيدفع ثمنه المواطنون بطريقة أو بأخرى. خصوصا عندما بدأت المشكلة تلوح في الأفق حيث قامت المؤسسة العامة للتقاعد بتسييل استثمارات مليارية في العام الماضي من أجل سداد مستحقات المتقاعدين. لذلك من الضروري المبادرة بتلك الحلول الواقعية، بما يجنبنا تبعات التعديلات الإضطرارية التي عانت منها الدول التي اختارت تأجيل المواجهة. Your browser does not support the video tag.