أكدت المؤسسة العامة للتقاعد على أهمية رفع سن التقاعد وعلى أن ذلك أصبح ضرورة اليوم في ظل تغير العديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها ارتفاع متوسط الأعمار وتغيير سن الالتحاق بالوظيفة. وقالت المؤسسة في بيان حصلت "الرياض" على نسخة منه إنها تؤيد المقترح الذي طرحة الدكتور حسام العنقري وناقشه مجلس الشورى في جلسة سابقة لرفع سن التقاعد الإلزامي للمدنيين إلى 62 عاماً، حيث يعتبر سن التقاعد في المملكة الأقل عالمياً 60 سنة هجرية أي ما يعادل 58 سنة ميلادية فقط. وأشارت التقاعد أن مجلس الشورى بطرحه مثل هذه المواضيع الأساسية ودعمه لها فإنه يعكس عمق الموضوعات التي يناقشها وأهميتها للمواطن بشكل خاص، إذ ان أنظمة التقاعد ذات أهمية كبرى على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي ويعتبر من اهم أسس الحماية الاجتماعية. وقدمت المؤسسة العامة للتقاعد شكرها لمجلس الشورى على اهتمامه بما يحفظ حقوق المشتركين في أنظمة التقاعد وطرح كل ما من شأنه تنمية حقوقهم مما يساعد على رفع قدرة المؤسسة للوفاء بالتزاماتها المستقبلية. ونوهت بأن إعادة النظر في سن التقاعد اليوم لا ينظر لها في المقام الأول من الناحية المالية أو لمعالجة عجز ولكنها أصبحت متطلبا أساسيا وضرورة تحتمها المتغيرات التي طرأت خلال الفترة الماضية وهي واحد من أهم العناصر التي تساهم في رفع معاش المتقاعد وكذلك قدرته المادية قبل التقاعد من خلال استمراره في الحصول على المزايا التي يمنحها له عمله خلال هذه الفترة. وإن من الأهمية بمكان أن نعي الفرق في تعريف سن التقاعد بيننا في المملكة وفي اغلب الدول العالمية وهو فرق جوهري قد يغيب عن بعضنا وللإيضاح فإن سن التقاعد في المملكة هو السن الذي يعني توقف الموظف عن العمل بشكل إجباري بقوة النظام، بينما لديه كامل الحق في ترك العمل في أي وقت قبل هذا السن والحصول على معاش تقاعدي إذا كانت خدمته تتجاوز ال 20 سنة. في حين أن سن التقاعد في الدول العالمية هو السن الذي يعطي الموظف الحق في التوقف عن العمل والحصول على معاش تقاعدي بدون تطبيق أي خصومات على مقدار هذا المعاش أو يحق له الاستمرار في العمل، في حين أن الفترة قبل الوصول لهذا السن لا تعطي الموظف الحق في الحصول على معاش تقاعدي. الربط بين التقاعد وحلول البطالة هروب من مشكلة إلى كارثة تؤدي إلى استنفاد أصول الصناديق وأوضحت مؤسسة التقاعد إن سن التقاعد لدينا هو سن الإحالة للتقاعد بشكل إجباري بينما سن التقاعد في أغلب أنظمة التقاعد العالمية هو سن استحقاق المعاش التقاعدي. وبمعنى آخر فإن رفع سن التقاعد في المملكة لا يحرم الموظف من حقه في طلب التقاعد في أي وقت يسبق هذا السن في حين أن تغيير سن التقاعد في أنظمة التقاعد العالمية يعني عدم قدرة هذا الموظف على التقاعد قبل السن الجديد. وإن الإساس في أنظمة التقاعد هو توفير دخل للشخص متى ما أصبح غير قادر على العمل ولكون عدم القدرة على العمل يختلف من شخص لآخر فقد وجد مصطلح " سن التقاعد" ليتم من خلاله تحديد السن التي يصبح فيها الشخص غير قادر على العمل. وعند وضع أول نظام للتقاعد في المملكة والذي صدر في 16/3/1364ه، حدد سن التقاعد (60) سنة هجرية أو بلوغ الخدمة الفعلية (40) سنة، وكان ذلك مبنياً على عدة عوامل من أهمها متوسط العمر المنخفض في ذلك الوقت والذي لم يكن يتجاوز ال 60 سنة وكذلك فإن سن الالتحاق بالعمل كان يتراوح بين 18 و20 سنة. وبالتالي لو توقفنا اليوم امام هذه العناصر التي بني عليها تحديد عدم القدرة على العمل في ذلك الوقت واعدنا النظر فيها لوجدنا ان متوسط العمر اليوم أصبح (73) عاماً وان سن الالتحاق بالعمل قد تغير وأصبح بين (25 إلى 27) سنة، وهذا يعني ان تغيير هذه العناصر يعني بالأهمية تغيير ما بني عليها وهو سن التقاعد. واشار بيان مؤسسة التقاعد إن من الأهمية بمكان عند النظر إلى الموضوعات المتعلقة بأنظمة التقاعد والمرتبطة بإيرادات ومدفوعات مالية مستقبلية فإن ذلك يوجب علينا النظر إلى الالتزامات المستقبلية على المدى الطويل 50 إلى 70 سنة على الأقل والتي تمثل الحد الأدنى لفترة الاشتراك ودفع المعاشات للمشتركين الجدد، وبناءً على ذلك تقوم جميع أنظمة التقاعد بإجراء دراسات إكتوارية ومالية تدرس الوضع الراهن وتبين الالتزامات المستقبلية على تلك الأنظمة مع الأخذ في الحسبان العديد من المتغيرات المستقبلية الديموغرافية والاقتصادية، والتي غالباً ما تبنى عليها توصيات وقرارات تحسن من الوضع المالي لأنظمة التقاعد وتعيد له التوازن في ظل تطور تلك المتغيرات. لذا تتخذ تلك الدول عادة عددا من الإجراءات لإعادة التوازن بين الاشتراكات والمنافع لإنصاف المشتركين والمتقاعدين ومن أجل تخفيف الضغوطات الحالية على صناديق التقاعد التي بدأت تعاني في الفترة الأخيرة بسبب زيادة أعداد المتقاعدين وارتفاع معدلات أعمارهم حيث لا يمكن منح حقوق المشتركين للمتقاعدين والعكس صحيح. لذا لم يعد امام تلك الأنظمة إلا اللجوء إلى اتخاذ قرارات تخفف الأعباء على تلك الأنظمة وهو ما اتجهت له العديد من الدول، حيث ان التطورات الديموغرافية التي تعيشها معظم دول العالم والازدهار في المجالات الطبية دفعت بالكثير من هذه الدول إلى إعادة النظر في أنظمتها التقاعدية بشكل عام وسن التقاعد بشكل خاص، إذ نجد ان دولا كثيرة رغم ارتفاع سن التقاعد لديها مقارنة بسن التقاعد المعمول به في المملكة (58 سنة) وانخفاض مزاياها التقاعدية، قامت برفع سن التقاعد لديها على شكل مرحلي خلال الفترات الماضية في حين من المتوقع صدور قرارات من بعض الدول الأخرى خلال السنوات القادمة لرفع سن التقاعد وذلك لتجنب إفلاس الأنظمة ولعل ما مرت به اليونان وفرنسا وغيرها من الدول واقع عايشناه خلال الفترة الماضية. مقارنة سن التقاعد في المملكة مع بعض دول العالم: يتضح لنا من الجدول والرسم البياني المرفق أن سن التقاعد في المملكة يعد الأقل حيث يعادل 58 سنة ميلادية مقارنة بدول تبدأ من 60 سنة وتصل بعضها على 70 سنة، وقد قامت عدد من الدول برفع سن التقاعد لديها حيث اقرت فرنسا رفع سن التقاعد لديها من 60 سنة إلى 62 سنة، وكذلك رفعت اليونان سن التقاعد إلى 67 بدلاً من 65 سنة. رفع سن التقاعد لمدة سنتين إن رفع سن التقاعد لمدة سنتين يعني منح الموظف مدة إضافية قدرها سنتان للاستمرار في العمل مع حفظ حقه في ترك العمل في أي وقت يرغب به متى ما توفرت لديه مدة الخدمة اللازمة. وبالتالي فإن هذا القرار لم ينقص من حق الموظف ولو حتى جزئياً في حين منحه الفرصة لزيادة دخله سواء من خلال استمراره في الحصول على راتبه على رأس العمل والمزايا التي تمنح له خلال هذه السنتين أو من خلال زيادة معاشه التقاعدي بمعدل 5% (وحسابياً فإن الزيادة أكثر من 5% لان الزيادة سوف تكون في مدة الخدمة وكذلك في الراتب الذي يتقاضاه على رأس العمل وسوف ينعكس كل ذلك على كامل خدمة الموظف لأن نظام التقاعد في المملكة العربية السعودية يعامل الموظف على آخر راتب يتقاضاه). وأكدت مؤسسة التقاعد إن القرار يعد إيجابي للموظف وكذلك إيجابي لأنظمة التقاعد حيث سوف يساهم ولو جزئياً في خفض العجز ولكن من الأهمية مراعاة أن رفع سن التقاعد لن يمثل حلاً شاملاً لأنظمة التقاعد حيث لابد أن يتم تبني جملة من الحلول ولذلك أوضحنا في البداية أن الحديث الآن عن رفع سن التقاعد لكونه ضرورة وليس لكونه حلاً مالياً. ولو نظرنا للنقطة التي تثار دائماً على أنها من سلبيات رفع سن التقاعد والتي تتمثل في أن رفع سن التقاعد سوف يزيد من البطالة! هنا نوضح أنه لا ينبغي أبداً الربط بين أنظمة التقاعد وحلول البطالة لأننا سوف نحاول حل مشكلة قائمة من خلال إيجاد كارثة سوف تحل بهذه الصناديق والمستفيدين منها حيث سوف تستنفد أصول هذه الصناديق ولن تستطيع القيام بمسؤولياتها وسوف تنتقل من كونها أنظمة تقاعد تصرف معاشات لمن لا يستطيعون العمل إلى أنظمة تدفع رواتب للقادرين على العمل ولكنهم لا يعملون، وبالتالي فإن إيجاد مثل هذه التكاليف غير المبررة سوف ينتج عنه عجز هذه الأنظمة عن دفع التزاماتها الشهرية نحو متقاعديها وأسرهم من بعدهم، وحلول البطالة دائماً ما تكون عبر برامج خاصة بذلك يراعى من خلالها عدم تأثيرها على التقاعد أو دفع التكاليف الإضافية عما ينتج من تطبيق هذه الحلول من تكلفة إضافية على أنظمة التقاعد. نتوقع تضاعف أعداد المتقاعدين خلال عشر سنوات إلى 100 % ولو استعرضنا عدد المتقاعدين في السنوات الأخيرة، لوجدنا ان عدد المتقاعدين لبلوغ السن يمثل بالمتوسط ما نسبته 51%من إجمالي المتقاعدين لكل عام والبقية اما بسبب التقاعد المبكر أو العجز أو الوفاة، وبالتالي فإن الأثر بسيط، إضافة إلى أن هذا الأثر البسيط سوف يمتد لسنتين فقط بعدها تعود الأمور لطبيعتها كون من تم مد خدماتهم سوف يصلون لسن التقاعد الجديد، وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكن التغلب على هذا الأثر البسيط من خلال آلية التطبيق. الأثر المالي بالنسبة للأثر المالي الإيجابي لرفع سن التقاعد فإنه يتمثل في جانبين أساسيين: الأول: زيادة الاشتراكات حيث سوف يتم تحصيل اشتراكات إضافية لمدة سنتين متتاليتين لمن كان يفترض تقاعدهم في تلك السنوات وسوف يبلغ الأثر المالي لذلك مبلغا وقدره 2 مليار ريال. اما الجانب الثاني فهو خفض تكاليف المعاشات نتيجة لتأجيل الصرف واستمرار الموظف على رأس العمل خلال هذه السنتين وقد قدر هذا بوفر يصل إلى 8 مليارات ريال. وبإضافة الأثر المالي للاشتراكات مع الوفر المحقق نتيجة تأجيل صرف المعاشات، فإن إجمالي الوفر المتوقع سيبلغ 10 مليارات ريال،وذلك سوف يؤجل من استهلاك أصول حساب التقاعد المدني لمدة سنتين. وهذا يؤكد على ان رفع سن التقاعد سيكون له مردود إيجابي على قدرة الحساب في الاستمرار في تحصيل الاشتراكات والقدرة على الوفاء بالتزاماته المستقبلية، ولعل هذه الخطوة الأولى لإعادة هيكلة وإصلاح النظام مما تأمل معه المؤسسة العامة للتقاعد أن يتبع ذلك رفع الاشتراكات حيث انه من الثابت في الدراسات الإكتوارية أن كل نسبة تزيد على الاشتراكات تعادل زيادة سنة في تأجيل استهلاك أصول الحساب المدني.