صرح أحد المشايخ أن العباية التي ترتديها المرأة السعودية ليست بالضرورة هي الإسلامية، وقال إن الحشمة هي الأصل. الشيخ ليس غريباً ولا جديداً. يتمتع باحترام كبير على المستوى الرسمي والشعبي. جرياً على العادة المتبعة ظهر من يؤيد الشيخ ويمدح رأيه وانبرى آخرون لإخراج الشيخ من منظومة العلم الشرعي في المملكة على اعتبار أنه خرج عن الثوابت. لكل عصر قضاياه. انتقلنا رسمياً إلى زمن لا علاقة له بالزمن الذي عشناه في السنوات الماضية. لا يوجد في حياتنا اليوم متسع للجدل حول العباية. قضايا كثيرة اشغلتنا ليس لأنها خطيرة أو ذات قيمة في حياتنا ولكن لأن هناك أجهزة فرضتها وألزمت الناس بها. لو فرضت وزارة على موظفيها لبس الجاكيت أثناء العمل. سيندلع جدل بين المتأثرين بالقرار. بعضهم سيؤيد وآخر سيعترض. ليس لقيمة في الجاكيت في حد ذاته ولكن لأنه فرض بقرار سيؤثر في حياتهم. إذا طال الجدل وأصرت الوزارة على قرارها وشارك في الجدل كل من له صوت ستختلط الأمور. لن يميز كثير من الناس بين قرار فرض الجاكيت على الناس وبين الجاكيت نفسه. ربما تتخلق من قضية الجاكيت قضايا فرعية أخلاقية ووطنية ودينية والأخطر من كل هذا أن تتشكل حول القرار مصالح. سينسى الناس أن المشكلة في قرار فرض الجاكيت لا في الجاكيت نفسه ولا في التفريعات التي خلقها الجدل. النقاش حول العباية معركة منتهية. لم يعد يوجد جهاز أو جهة تفرض على المرأة ارتداء العباية التي صممها المتطرفون. في الحقيقة لم يوجد قانون يجبر المرأة على لبس العباية. المرأة إنسان. إنسان متكامل القدرة ومكلف. سوف تتخذ قرار لباسها وفقاً لهوية وطنها. القضية التي دار حولها الجدل سنوات ليست مع العباية أو بسبب العباية وإنما مع من فرضها على الناس. لم يندلع جدل مماثل حول ملابس الرجل. الرجال في المملكة يتحلون بالحشمة من دون فتوى ودون أن يصمم لهم أحد ما يجب أن يرتدوه. تنسجم ملابس الرجل السعودي مع خياراته وتراثه ومع مفهومه للحشمة. لم يظهر على هذه الملابس طوال مدة تطورها ما يجافي الدين أو التقاليد. وهذا ما سوف يحدث مع المرأة. عندما يطلق شيخ أو طالب علم ديني فتوى لا تمس الأمن في البلاد ولا تضر بمصالح الناس يفترض أن نتناولها كرأي مستند على الفقه مثل أن يأتينا عالم اجتماعي ويطلق نظرية مستندة على علم الاجتماع. أمرهما يترك لأصحاب الاختصاص. ما الذي يدفع الكتاب إلى تحويلها قضية رأي عام. لن تصبح قضية لها أهمية إلا إذا أدخلها جهاز من أجهزة الدولة ضمن النظام والإلزام. Your browser does not support the video tag.