العباءةُ زيٌّ إسلاميٌّ شعبيٌّ جميلٌ، عُرفت به المرأة السُّعودية، حافظت عليه منذ عشرات السِّنين، ربَّما لأنَّه يوفِّر الحشمة اللازمة التي تحرص عليها، كما يتميَّز بالأناقة والجمال، والعباءة من الرُّموز التُّراثية، التي عرفت بها المرأة العربيَّة منذ القدم، واعتبرت رمزاً لهويِّة المواطن العربي، التي بقيت على الرَّغم من اكتساح الأزياء الغربية للعديد من الدُّول العربيَّة، لم يتخلَّ الرَّجل العربيُّ، والمرأةُ العربيَّة عن العباءة، حرصاً عليها كجزء من التَّقاليد. والعباءة التي تُرتَدى فوق الثِّياب، لا تختصُّ بالنِّساء دون الرِّجال، فكما أنَّ ارتداءها يضفي على المرأة الاحتشام، فإنَّ الرِّجال يرتدونها للوجاهة والوقار، وقد أخذت العباءة استمراريتها من القيم الإسلاميَّة والاجتماعيَّة، ومازالت من أهمِّ العناصر المكمِّلة للشَّخصيَّة العربيَّة المسلمة. والمرأة السُّعودية ما زالت تتمسك بعباءتها، وغطاء وجهها بين نساء العالم، على الرَّغم من أن شكل العباءة، تدخل عليه تطورات جديدة، إلا أنَّ الهدف منها، وهو الاحتشام، ما زال متحققاً. الكثير من النِّساء السُّعوديات، يلتزمن بالعباءة داخل السُّعودية، وما يدفعهن لذلك، هو الالتزام بالتَّعاليم الإسلاميَّة، بشكل عام في كل أنحاء المملكة، ولكن!! الخلاف ينشأ بينهن، عندما يسافرن إلى الخارج. تعتقد بعضهن، أنَّ شكل العباءة يصبح مثار استغراب، من قبل الأجانب، وتعتقد أخريات، أنَّ التَّحرُّك يصبح أصعب، خصوصاً بالذَّهاب إلى مدن ساحليَّة، وتعتقد أخريات، أنَّ العباءة تعني أنَّ هذه المرأة سعودية، أو خليجيَّة، أي لديها الكثير من النُّقود، ولذا تصبح هدفاً للسَّرقة والمضايقة، أمَّا المعارضات لعدم الالتزام بالعباءة، فيعتقدن أنَّ في ذلك تخلياً عن التَّعاليم الإسلاميَّة الآمرة بالحجاب، وأنَّ الالتزام بالعباءة، قد يدفع الآخرين للإعجاب بنا، وهذا ما يدفعه للدُّخول في الدِّين الإسلامي. تقول سهام حفني: العباءة والبرقع، تتفق أكثر مع عادات، وتقاليد المجتمع السُّعودي، لأنَّنا نسير في الشَّوارع دون أن نلفت نظر الشَّباب، لأنَّهم اعتادوا مشاهدة أخواتهم، وقريباتهم بتلك الهيئة. أمَّا عندما نسافر للخارج، فالوضع مختلف كثيراً لأنَّنا بهذه العباءات، نحن خليجيَّات، وسعوديَّات، وسنتعرض للمضايقات. وتشاركها الرَّأي ريناد العوفي تقول: خلال سفري لقضاء شهر العسل، في إيطاليا وباريس، كنت أرى الفتيات العربيَّات المحجبات، في الأماكن العامَّة، ومحطَّات القطار، والحقيقة أنَّ مظهرهن منقبات ملفت للنَّظر، مما دفع ببعض المستهترين بمحاولة سرقتهم، على اعتبار أنَّ المرأة الخليجيَّة تمتلك أموال كثيرة وباهظة. ولذلك فإنِّي لا أؤيد لبس العباءة في السَّفر، فلدينا ملابس للحجاب أنيقة، ومواكبة للموضة، في إطار مساحة الحريَّة الممنوحة لي من زوجي. وتعنِّف هتون العدني، الآراء السَّابقة المنادية بحجاب الموضة، واعتبرت ذلك خروج عن العادات، وقبل ذلك مخالفة للأمر الدِّيني المحدَّد بالنَّص القرآني، والمطالب بالحجاب الشَّرعي المغطِّي لكامل الجسد، وتساءلت هتون بِحِدَّةٍ. لماذا نغيِّر جلودنا عندما نسافر للخارج؟؟. في حين نجد الأجانب ملتزمين بنظام البلد وعقيدته، فنشاهد النَّساء الأجنبيَّات، لابسات العباءة بطريقة فيها بعض الارتباك، ولكن!! يجتهدن قدر المستطاع في التَّقيد بالشَّكل العام، ومنهم من اعتنقت الإسلام، وحريصة على تطبيق الشَّريعة الإسلاميَّة بدقة أكثر منَّا. وطالبت شهد الحارثي، في رأيها بتطبيق الاعتدال، أو الوسطيَّة، في الحلول مؤكدةً على أنَّ لبس العباءة في السَّفر للخارج، ليس بالأمر الملزم تنفيذه، ولا يعتبر الحجاب العصري أحد أشكال السُّفور، فموديلات العباءة الحاليَّة المصمَّمة بعدة موديلات، وخامات أقمشة راقية، تمنح حرية اختيار الأفضل، خلال السَّفر للسيِّدة التي ترغب في ذلك، إضافة إلى أنَّ ماركات ملابس المحجبات، تعطي نفس النَّتيجة، وفي نهاية الأمر، لا يعدو كونه مجرد أذواق، مشدِّدة خلال حديثها، إلى أنَّ الفتيات الآن مطالبات بالظُّهور، أمام العالم كمسلمات عصريَّات. وأضافت شهد الحارثي: في الحقيقة الموضوع لا يستحقُّ كلَّ هذه الضَّجة!!. أمَّا آيات سمَّان: رأيها يسكب الماء فوق النَّار؛ فهي ترى أنَّنَا مجتمع سعودي، متميِّز بخصوصيَّة إسلاميَّة، وداخل إطار حياتنا اليوميَّة، نحن محجبات دون تغطِيَة كاملة للوجه، وهذا لا يعتبر مخالفة للشَّريعة الإسلامية، ففي الإجازات تقضي معظم الأسر الوقت في الاستراحات، وتنتقل داخلها بواسطة ملابس للحجاب ساترة لكامل الجسم. بعد الوقوف على آراء بعض النِّساء، نجد الكل متَّفق على لبس العباءة داخل المملكة، لأن الجوَّ العام يساعد عل ذلك، والنِّظام، والعادات، والتَّقاليد، كلَّها تؤيد ذلك، بل وتلزمه، ولكن!! الخلاف وقع في حالة السَّفر خارج المملكة، فهناك مؤيِّدات للحجاب الكامل، ومؤيِّدات للحجاب مع إظهار الوجه، وهناك رافضات للحجاب نهائيَّاً. ولكنني أحبُّ أن أعالج هذه المشكلة، بإيراد قصيدة تحثُّ على الاحتشام والحجاب، وأختم بفتوى لهيئة كبار العلماء في المملكة، تؤكد على بعض الشُّروط اللازم توافرها في جلباب المرأة المسلمة. أولاً: القصيدة: أختاهُ يا بنتَ الخليجِ تحشَّمي لا ترفعي عنك الخمار فتندمي هذا الخمارُ يزيدُ وجهَك بهجةً وحلاوةُ العينينِ أنْ تتلثمي صوني جمالَك إنْ أردت كرامةً كيلا يصولَ عليك أدنى ضَيغم لاتُعرضي عن هديِّ ربِّك ساعةً عضِّي عليه مدى الحياة لتنعمي ما كان ربُّكِ جائراً في شرعِه فاستمسكي بعراهُ حتَّى تسلمي ودعِي هراءَ القائلين سفاهةً إنَّ التَّقدم في السُّفورِ الأعجمي إياكِ إياكِ الانخداع بقولهم: سمراءُ يا ذاتَ الجمالِ تقدَّمي إنَّ الذين تبرؤوا عن دينِهم فهم يبيعونَ العفافَ بدرهم حُلَلُ التَّبرُّج إن أردت رخيصةً أما العفافُ فدونَه سفكُ الدَّم بنتَ الجزيرةِ ما أرى لك شيمةً هذا التَّبرُّجُ يا فتاة تكلمي حسناءُ يا ذاتَ الدَّلالِ فإنَّني أخشى عليكِ من الخبيثِ المجرم لاتَعرضي هذاالجمالَ على الورى إلا لزوجٍ أو قريبٍ محرم لا ترسلي الشَّعرَ الحريرَ مرجَّلاً فالنَّاس حولك كالذِّئاب الحُوَّم لا تمنحي المستشرقين تبسُّماً إلا ابتسامةَ كاشر متهجِّم أنا لا أحبِّذُ أن أراك جهولةً شرقاً وغرباً في الجنوب ومشأمي أنا لا أريد أنْ أراك جهولةً إنَّ الجهالةَ مرَّةٌ كالعلقم فتعلمي وتثقفي وتنوَّري والحقُّ يا أختاه أن تتعلمي لكنَّني أمسي وأصبح قائلاً أختاه يا بنت الخليج تحشمي ثانياً: فتوى هيئة كبار العلماء: الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. وبعد: فقد اطَّلعت اللجنة الدَّائمة للبحوث العلميِّة والإفتاء، على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من أحد المستفتين، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامَّة لهيئة كبار العلماء برقم: 934 وتاريخ 12/2/1421 ه، وقد سأل المستفتي سؤالاً هذا نصُّه:( قد انتشر في الآونة الأخيرة، عباءة مفصلة على الجسم وضيقة، وتتكون من طبقتين خفيفتين، من قماش الكريب، ولها كمٌّ واسع، وبها فصوص وتطريز، وهي توضع على الكتف، فما حكم الشَّرع في مثل هذه العباءة، أفتونا مأجورين، ونرغب - حفظكم الله - مخاطبة وزارة التِّجارة بمنع هذه العباءة وأمثالها، وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء، أجابت بأنَّ العباءة الشَّرعيَّة للمرأة، هي "الجلباب" وهي ما تحقَّقَ فيها قصد الشَّارع، من كمال السِّتر، والبعد عن الفتنة، وبناءً على ذلك، فلا بدَّ للعباءة أن تتوفر فيها الأوصاف الآتية : أولاً: أن تكون سميكة، لا تظهر ما تحتها، ولا يكون لها خاصيَّة الالتصاق. ثانياً: أن تكون ساترة لجميع الجسم، واسعة لا تبدي تقاطيعه. ثالثاً: أن تكون مفتوحة من الأمام فقط، وتكون فتحة الأكمام ضيِّقة . رابعاً: ألا يكون فيها زينة، تلفت إليها الأنظار، وعليه فلا بدَّ أن تخلو من الرُّسوم والزَّخارف والكتابات والعلامات. خامساً: ألا تكون مشابهة للباس الكافرات، أو الرجل. سادساً: أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداء . وعلى ما تقدم، فإنَّ العباءة المذكورة في السؤال، ليست العباءة الشَّرعية للمرأة، فلا يجوز لبسها، لعدم توافر الشُّروط الواجبة فيها،ولا لبس غيرها من العباءات التي لم تتوفر فيها الشروط الواجبة، ولا يجوز كذلك استيرادها، ولا تصنيعها، ولا بيعها، ولا ترويجها بين المسلمين، لأنَّ ذلك من التَّعاون على الإثم والعدوان والله جل وعلا يقول:(ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب)، واللجنة إذ تبيِّن ذلك؛ فإنَّها توصي نساء المؤمنين بتقوى الله تعالى، والتزام السِّتر الكامل للجسم، في الجلباب والخمار، عن الرِّجال الأجانب طاعة لله تعالى، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وبعداً عن أسباب الفتنة والافتتان. وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين سعد العثمان المسلم التربوي (ا)