تمتلك كل شعوب الأرض أساطير خاصة بجوانبها الدينية والاجتماعية تحاول من خلالها تفسير العديد من الظواهر التي لايمتلكون لها تفسيراً مقنعاً. وتعتبر الأساطير هذه مادة خصبة لعكس الجوانب الفكرية والدينية والاجتماعية لهذه الشعوب. وهناك الكثير من الأساطير في تاريح الجزيرة العربية سواء في فيما قبل الإسلام أو بعده او حتى في تاريخنا القريب. وتعتبر اسطورة «طمية» و»عكاش» إحدى هذه الأساطير التي جاءت تفسر سبب وجود حفرة عميقة في الأرض . حيث أصبح هذا المكان أحد أهم المعالم الأثرية والتاريخية في المملكة العربية السعودية. يقول العبودي : « أذكر جبلاً بالبادية البادية ذكراً وتلك مكانة لا تزال باقية له في حواضر نجد فلا يكاد يوجد أحد لم يسمع بطمية بخلاف غيره من الجبال.» وقد تناقلت الأجيال هذه الأسطورة التي اختلط فيها التاريخ بالمكان بالعشق وشجونه. وحفظ لنا الرواة تفاصيل هذا كله كما تغنى الشعراء بهذا المكان . يقول امرؤ القيس: كأن طمية المجيمر غدوة من السيل الغثاء فلكة مغزل. ويقول راكان بن حثلين: يافاطري خبي طوارف طميه يوم اشمخرت مثل خشم الحصاني. ويقول خالد الفيصل: انتزع قلبي مثل نزعة طمية .. يوم هز العشق راسية الجبال. «موقع ومساحة» تقع فوهة الوعبة أو «مقلع طمية» على بعد ما يقارب 175 كيلومترا شمالي مدينة الطائف (طريق الحجاز- الرياض السريع). وهي عبارة عن حفرة عميقة يبلغ قطرها الدائري ثلاثة كيلومترات ويبلغ عمقها 380 مترا وهو الموقع المعروف ب «مقلع طمية» أو «فوهة الوعبة» تغطيها أرضية مالحة أعطتها اللون الأبيض الذي يراه الإنسان بشكل واضح من أعلى الفوهة. وعندما ينزل الإنسان لمسافة 15 متراً من سطح الأرض سيرى أشجار النخيل التي تنمو على عيون ماء صغيرة وكذلك بعض الأعشاب وشجر الأراك. وربما أن هذه الطبقة قد تشكلت من مياه الأمطار التي تتجمع في قاع الحفرة مكونة بحيرة ضحلة لا تتسرب إلى باطن الأرض. «دراسة وتفسير» يرى البعض ان الحفرة قد تكونت نتيجة سقوط نيزك في مكانها مما أدى إلى حفر هذا الموقع وبهذه المساحة. ولكن ليس هناك من دليل على هذا الرأي. والرأي الأصح هو أن هذه الحفرة قد جاءت نتيجة انفجار بركاني كبير نتجت عنه هذه الحفرة الكبيرة. حيث قام فريق بحثي من جامعة الطائف يضم متخصصين في علوم الأرض ومجالات الجيولوجيا الرسوبية والنظائرية والجيوفيزياء التطبيقية والمعادن والصخور والجيوكيماوية بعمل مشروع بحثي شامل بعنوان «الخسف الكبير بمنطقة مقلع طمية نتيجة ارتطام نيزكي أم طفح بركاني»، وأجرى كشفاً عن نوعية المعادن والخامات الاقتصادية المصاحبة لهذه الطفوح البركانية. وقد جاء عن هذا المشروع ان هذه الحفرة «تعتبر من مخلفات براكين حرة كشب المشهورة في وسط شرق الدرع العربي التي تكونت في عصر يعد من أقدم العصور التاريخية في سجل الحياة الظاهرة» (جريدة الحياة، السبت، 27 يناير/ كانون الثاني 2018م). وبذلك فقد قام هذا المشروع بتقديم التفسير العلمي الرصين لهذه الظاهرة. «أسطورة وعشق» تعتبر أسطورة جبل طمية وعشقها لجبل «قطن» أسطورة اجتماعية تدور أحداثها حول قصة عشق بين هضبة مؤنثة تقع في حب جبل مذكر وتقرر الارتباط به على طريقتها. ولكن غيرة ابن العم على بنت العمة تجعله يقتل قصة العشق هذه قبل اكتمالها. وتعتبر هذه الأسطورة من الأساطير ذات العمق التاريخي في تاريخ الجزيرة العربية حيث ذكره الجغرافي ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان». وتكاد تجمع جميع الروايات على الهيكل العام للأسطورة ومعظم تفاصيل هذه الرواية مع اختلاف حول بعضها. فهناك اختلاف حول اسم «الجبل» الذي قرر حرمان «طمية من الالتحاق بحبيبها في أرضه بين القصيم والمدينة المنورة وهو في هذه الروايات ابن عمها. ففي بعض الروايات يسمى هذا الجبل «شلمان» ، وفي بعضها الآخر يسمى «عكاش». كما تختلف الروايات حول اسم الجبل الذي عشقته «طمية» بين جبل «قطن» بين القصيم والمدينة المنورة وبين جبل «ابان» في حائل. وأخيرا تختلف الروايات حول نهاية «طمية» بعد ان منعها عكاش من الانتقال الى «برق». فحين ترى تصمت بعض الروايات عن مصير «طمية»، ترى بعض الروايات ان جبل «عكاش» قد تزوج من «طمية» وكان حينها على كبر. تقول الأسطورة ان «طمية « وفي إحدى الليالي الممطرة رأت جبل «قطن» الواقع في المنطقة الوسطى بنجد ما بين مدينتي بريدة والمدينة المنورة على ضوء البرق فوقعت في حبه من النظرة الأولى. ومن هنا اتخذت قرارها بمغادرة مكانها إلى حيث حبيبها لتنعم بالحياة في جواره. يقول الشاعر: الهوى قدّامنا شوّق «طمية» يوم لاح لها قطن والدار خالي. وبالفعل قفزت من مكانها باتجاه جبل «قطن» ولكن كان لأعداء الحب العذري العفيف وقفة هنا حيث قرر ابن عمها جبل «شلمان» وقيل جبل «عكاش» وبدافع من الغيرة حرمانها من حبيبها أو بالأحرى حرمان حبيبها جبل «قطن» منها. مما جعله يقوم برميها برمحه فأصابها في مقتل وجعلها تسقط قبل وصولها إليه. وهناك روايات قليلة تقول إن الجبل الذي عشقته «طمية» هو «أبان « بمنطقة حائل. والذي يقول فيه الشاعر: الهوى شدد طمية... قطعة من نجد راحت يم أباني. وهناك من يقول إن جبل «عكاش» قد تزوج من طمية أخيرا حيث يقول الشاعر: تزوج عكاش طمية بعدما تأيم عكاش وكاد يشيب. «قراءة ومقارنة» إن الأسطورة لاتعبر عن التفسير الحقيقي لظاهرة «مقلع طمية» بقدر ماتحكي عن الجانب الاجتماعي لسكان المنطقة الذين رأوا هذه الظاهرة وحاولوا تفسيرها. وأول ما نلاحظه أن هذه الأسطورة تدور حول العشق بين الذكر والأنثى وهو يمثل جزءاً من الحياة اليومية للناس بشكل عام. ولم يكن المجتمع في الجزيرة العربية بعيدا عن هذه الظاهرة الإنسانية الطبيعية. ولكن الأمر غير المألوف ان يكون هذا العشق نابعاً من قبل المرأة تجاه الرجل. حيث جرت العادة ان الرجل هو المبادر دائما في مجال التعبير عن مشاعره وفي مجال حبه. بينما في هذه الأسطورة نجد «طمية» تتجاوز حدود المبادرة في التعبير عن المشاعر إلى اتخاذ الخطوات العملية للالتحاق بمن تحب. ومن هنا نجدها تتجه الى حبيبها «قطن». وهذا قد يعكس ليس فقط قدرة المرأة آنذاك على التعبير عن مشاعرها بل وقدرتها على اتخاذ القرار في هذا الاتجاه. ثم تأتي الأسطورة على حقيقة ارتبطت كثيراً بمجتمعات الجزيرة العربية على مر التاريخ وهي «أحقية الرجل في الزواج من ابنة عمه». ومن هنا قام «عكاش» برمي «طمية» برمحه ومنعها من الانتقال إلى حبيبها. وبعد ذلك كنا نرى بعض الروايات تقول إنه تزوج بها حتى وهو يكبرها كثيرا بالسن. وهنا ايضا تنعكس حقيقة من حقائق مجتمعات الجزيرة العربية ان عامل السن ليس ذا أهمية في الزواج بين الرجل والمرأة لاسيما اذا كان الرجل هو من يكبر المرأة بشكل كبير. يقول الشاعر: تزوج عكاش طمية بعدما تأيم عكاش وكاد يشيب. أ.د.فهد مطلق العتيبي Your browser does not support the video tag.