منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي والعطالة بين أوساط الخريجين تشكل عقبة كأداء أمام كثير من دول العالم بصفة عامة، والعالم العربي بشكل خاص وقد أدركت الدول المتقدمة الفجوة بين مخرجات تعليمها وسوق العمل فأهلت الشباب معرفياً ومهارياً، عبر التركيز على تطوير المعاهد المهنية، والكليات التقنية؛ لسد احتياجات سوق العمل، وذلك بهدف تغيير حال العاطلين ليكونوا قوى وطنية فاعلة ومؤثرة في الاقتصاد والتنمية بدلاً من كونهم ناقوس خطر أمني وكمٍّ مهمل. وعندما نتأمل في أسباب ارتفاع البطالة لدينا نجد أن السبب يُعْزَى بالدرجة الأولى إلى بعض التخصصات الجامعية كالتخصصات الإنسانية والاجتماعية التي تدفع بالخريجين في نهاية المطاف إلى مستقبل مجهول، وقد أشارت دراسة علمية إلى أن غالبية الطلبة السعوديين يلتحقون بالعلوم الإنسانية والاجتماعية. حيث بلغت نسبة الملتحقين بها زهاء 75 %. ويرى الباحث أن هذه النسبة من الطلاب غير مؤهلة لسوق العمل فأصبح لدينا خريجون عاطلون وسوق عمل لم تسد احتياجاته. حقاً إنها معضلة اقتصادية واجتماعية؛ لذلك جعلت رؤية المملكة 2030 تخطِّي تلك العقبة الشائكة من أولى محاورها التي ركزت عليها في خططها الاستراتيجية وبرامجها بهدف ردم تلك الفجوة السحيقة بين مخرجات التعليم الجامعي واحتياجات سوق العمل، حيث نصت وثيقة الرؤية على سد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل، وتطوير التعليم العام وتوجيه الطلاب نحو الخيارات الوظيفية المناسبة وإتاحة الفرصة لإعادة تأهيليهم. نحن نحث الخطى نحو تحقيق رؤية المملكة وليس في الوقت متسع يسعفنا لنخوض التجارب المتعددة حتى نصل إلى جادة الصواب، فالمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المؤسسات التعليمية، وإن كانت الجامعات تتحمل جزءًا كبيراً في تنمية القوى البشرية وتأهيلهم للدخول بهم إلى سوق العمل. والحل السريع في ذلك هو الاتجاه نحو تطوير عمادات خدمة المجتمع، وقد خلصتُ إلى تقديم بعض المقترحات التي تهدف إلى تطوير أداء عمادات خدمة المجتمع منها ما هو اجتهاد شخصي، ومنها ما استلهمته من بعض الدراسات العلمية مع تغيير طفيف في الأفكار لتكون تلك المقترحات مبنية على دراسات علمية ممنهجة سبَرَت غور المشكلة، وغاصت في أعماقها، وحللت أبعادها، فخرجت بنتائج منطقية، فأبرز تلك المقترحات هي: أولاً: تطوير الخطط الاستراتيجية لعمادات خدمة المجتمع؛ لتناسب روح العصر، وتواكب المتغيرات المحلية والعالمية، وتتواءم مع رؤية المملكة. ثانياً: إقامة المؤتمرات العلمية والندوات وورش العمل التي تسهم في تعزيز أواصر العلاقة بين الجامعة والقطاع الخاص؛ لكي تستشرف عمادة خدمة الجامعة، من خلالها تطلعات سوق العمل، ويكون لديها القدرة على التنبؤ المستقبلي بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، من أجل افتتاح تخصصات يحتاجها سوق العمل. ثالثاً: انتقائية الدورات التدريبية التي تقدمها عمادة خدمة المجتمع للمتقدمين من خريجي الجامعات؛ إذ يفترض ألا تكون تلك الدورات عشوائية بل محددة وفق احتياجات سوق العمل. رابعاً: تفعيل دور المرشد الأكاديمي في عمادة خدمة المجتمع؛ لتكون مهمته التواصل مع سوق العمل لتلبية احتياجاتهم، والاجتماع بالطلاب المتقدمين للدورات لتوعيتهم وتوجيههم إلى الدورات والدبلومات المناسبة. وأخيراً: إن نجاحنا في تجسير الهوة بين مخرجات التعليم الجامعي ومدخلات سوق العمل هو ناجم عن امتلاكنا لثروة بشرية تتميز بمهارات عالية وقدرات إبداعية في الأداء الوظيفي، بل لديها القدرة على العمل والعطاء والابتكار ومواكبة المستجدات العصرية وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى انحسار أعداد العطالة ونمو في الاقتصاد ونهضة في التنمية المستدامة.