لقد جرت عادة أولئك الذين يطمحون إلى التغيير والتميز أن يبحثوا ويطرقوا كل جديد، ومع تعقد العلاقات وتوسع المؤسسات والشركات واحتياج العالم إلى تنظيم مختلف بأفكار خلاقة مبدعة، كان لابد من أن نتقن شق طريقنا بالتفكير عبر سياقات أنظمة مجردة وصارمة وغير مألوفة، والمتعارف عليه أنه غالباً ما يضيع شيء ويكتسب شيء مع كل تقدم يحدث في جميع المجالات سواء التكنولوجية أو غيرها، وقد نادى الفيلسوف يورجن هابرماس "بالتواصل الصادق مع الآخرين"، ولو طبقناها على واقعنا الحالي قد يكون التواصل مع الآخرين عن طريق استمطار الأفكار، فمشكلاتنا حديثة، لذلك لابد من إيجاد حلول حديثة، والإنسان الحالي لا يستجيب مع الأفكار والحلول العادية والمستهلكة، كذلك المؤسسات والمنظمات سواء الحكومية أو الخاصة فكلها تبحث عن حلول جديدة تتناسب مع معطيات المرحلة، لذلك اللجوء إلى جماعات التفكير من أجل ابتكار الحلول التي تتسم بالعمق المعرفي والفكري والتأثير هو الحل في عالم اليوم المعقد، ومراكز التفكير أو مراكز "الأبحاث والدراسات" تلك التي تقدم دراسات وأبحاث في مجالات معينة بهدف نشر الثقافة والمعرفة أو خدمة مؤسسات حكومية أو خاصة لتقديم مقترحات وحلول لمشاكل معينة، هي أحد الأعمدة الأساسية لإنتاج المعرفة والتفكير، ولعلي أذكر هنا نموذجاً مكتمل الأركان لدينا هنا في السعودية، حيث "منتدى أسبار الدولي" الذي يهدف إلى توضيح ضرورة التحول الشامل والسريع نحو مجتمع المعرفة واقتصاد قائم على المعرفة في المملكة العربية السعودية، وبيان العلاقة المتلازمة بين مجتمع المعرفة والتنمية المستدامة واستبصار دور المعرفة في رفع كفاءة القطاعات الإنتاجية والخدمية وقدرتها الاستيعابية لتحويل المعرفة لاقتصاد، وقد جاء متسقاً مع رؤية المملكة 2030 التي تهدف إلى دفع عجلة التنمية والتنويع الاقتصادي، وجاء منتدى أسبار الأول في 2016 تحت شعار "المعرفة قوة" وقد ناقش العديد من قضايا الاقتصاد المعرفي من خلال الجلسات وورش العمل. حيث اقتصادات المعرفة تعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار والرقمنة، وهذا التخصص في الطرح والشراكة الدولية في الأفكار وتبادل الخبرات والحراك المعرفي ما هي إلا خطوات سريعة نحو الغد، حيث مجتمعات الغد ستكون قائمة على المعرفة وهيمنتها. ونحن أمام تحدٍ كبير وهو كيف نحقق الاستفادة من القدرات الفردية من أجل الوصول إلى الإبداع والتميز في المجتمع؟ يقول فرانك براون: "المبدع هو رجل أكثر بدائية، أكثر تحضراً، أكثر تدميراً، أكثر جنوناً، وأكثر عقلانية من أي رجل عادي". لذلك تحرير الطاقات المبدعة في أعمال أكثر انفتاحاً من الأعمال العادية مطلب من أجل الحصول على نتائج مختلفة، لذلك جاء منتدى أسبار هذه السنة 2017 في دورته الثانية مركزاً على الإبداع والابتكار، حيث انطلق حفل أسبار برعاية صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، وبمشاركة أبرز خبراء الابتكار والتقنية، حيث احتفي باختراعات رواد الأعمال وأتاح فرص تعارف ولقاء المستثمرين، وصاحبه معرض ابتكر، فنحن نحتاج إلى الاستثمار في رأس المال البشري، والاستفادة من الخبراء العالميين حتى نحدث نهضة ونقلة لمستقبل مختلف بالاستفادة من التجارب الدولية. ويعد منتدى أسبار قفزة للمستقبل من حيث تحويل الأفكار إلى واقع والتركيز على الاقتصاد المعرفي بكل جوانبه والذي يمثل الثورة الصناعية الرابعة، ويعد هذا الحدث مميزاً كونه حركة تغير متسارعة تسابق نحو المستقبل، وأعتبر هذا المنتدى بكل ما فيه من بهجة ابتسامة مشرقة تشق طريقها لعالم الغد.