سُئل المُفضل الضَّبي عن أفضل بيت قالته العرب في وصف الذئب فأنشد قول حُمَيْدٌ بِنُ ثَوْرٍ الهِلاليُّ : يَنَامُ بإِحدى مُقْلَتيهِ وَيَتقي.. بأُخْرى المنَايَا فَهْوَ يَقْظَانُ هَاجِعُ. وبهذه الإجابة حاز على شرف الحصول على خاتم هارون الرشيد الذي في إصبعه كجائزة. وأورد ابن قُتيبة الدِّينَوري في كتابه "الشعر والشعراء" بيت لحميد الهلالي يأتي في معنى الحكمة والمثل وهو أحسن ما قيل في الكِبَر وآفاته: أرَى بَصَرِى قَدْ رَابَنِى بَعْدَ حِدَّةٍ ... وَحَسْبُكَ دَاءً أنْ تَصِحَّ وتَسْلَما وأشار إلى ذلك من قبل كل من الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين"، وابن دُريد الأزدي في كتابه "العقد الفريد". وأضاف الأصمعي نقلاً عن بعض الرُواة بأن الشطر الثاني من البيت السابق أحكم وأوجز شطر قالته العرب قاطبةً. الصحابي حميد بن ثور الهلالي شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه "الإصابة في تمييز الصحابة" أن له صُحبة، ووفد على النبي مسلماً فذكر الشعر بتمامه، وفي آخره: حتى أرانا ربنا محمدًا يتلو من الله كتاباً مرشداً وتأصلت دعائم الإيمان في نفس شاعرنا ومن ذلك قوله: فللَّهِ مَا فَوْقَ السَّمَاء وتَحْتَها لَهْ المالُ يُعْطِي ما يشَاءُ ويَمْنَعُ. ترِد له في المصادر القديمة كُنى مختلفة أشهرها أبا المثنى، وعند ابن حبيب بأبي الأخضر، وعند البكري الأندلسي بأبي لاحق. واسم حُمَيْد من الأسماء السائرة اليوم وهو تصغير محمد ويندرج تحت ذلك حَمَد وحامد وغالباً من ينطق العامة ( حُمَيِّد ) بترخيم التصغير، يقول اللغوي ابن دُريد في الاشتقاق عن أسماء العرب: " سموا حامداً ، وحميداً ، فحميد يمكن أن يكون تصغيراً". وهو نسباً: حُمَيْدٌ بِنُ ثَوْرٍ بن عَبْد الله بن عامر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هِلال بن عامر بن صعصعة الهلالي. استوطن هو وقبيلته بنو هلال بِيْشَة، وتَثْلِيْث، ورَنْيَة، وتُرَبة وما والاها، وجاوروا قبائل (نَهْد، سَلُول، خَثْعَم) وقال في ذلك وهو يوصي رسوليه: وَقُولا إذا جاوَزْتُمَا حيَّ (عامرٍ)..وجاوزتُمَا الحيَّيْنِ (نَهْداً) وَ(خَثْعَمَا) وعامر ونهد وخثعم لازالت فروعهم في بيشة ورنية حتى الآن. عاش حياة الحل والترحال في عالية نجد الجنوبية وأفصح لنا شعر حميد بمكان منزله في تبالة أحد مراكز بيشة الحالية حيث قال: أبْصَرْتُ ليْلةَ مَنزلي ( بتَبالةٍ ) والمرءُ تُسْهِرُهُ الهُمُومُ فَيسْهَرُ ويصف ظباؤها أيضاً: أَطاعَ لها مُردٌ بأعلى ( تَبَالةٍ ) ضُمَيْريّةٌ والأَحْوَريُّ المُمَزَّجُ ومن شواهد حله وترحالة في مابين بيشه وتثليث وتعلقه بها، ذكر وادي ( تَرْج ) أحد الأَودية العِظام التي ترفد وادي بِيشَة: ورَاحَتْ كَما راحَتْ بِ ( تَرْجٍ ) مُوَقَّفٌ مِنَ الرُّبدِ بَدَّاءُ اليَديْنِ زَنيقُ وصَوَّر ما تقع عليه عيناه في حياته اليومية في مرابعه مابين بيشة وتثليث حينما وصف الحمامة قائلاً: إذا شِئْتُ غَنَّتْنِي بأَجْزَاعِ ( بِيشَةٍ ) أَوِ النَّخْلِ مِنْ تَثْلِيْثَ أوْ مِنْ يَبَنْبَما عَجِبْتُ لَها أَنَّى يكونُ غِنَاوُهَا فَصِيحاً وَلمْ تَفْغَرْ بِمَنْطِقِها فَمَا تلك المطَوَّقةُ، الخطباء التي أَثارتْ شجوه وشوقه ناهيك أنها تسجع وتصدح بصوتها وتنوح طرباً في رَاد الضُّحَى فوق غصن بان من أراكة من بطن وادي بِيْشَة العملاق أو نظيره وادي تثليث أو ما بينهما عند مورد يبنبم.وذلك قبل هجرتهم إلى خارج شبه الجزيرة في ( القرن 5 ه) كما أشار ابن خلدون في تاريخه والمقريزي في اتعاظ الحنفاء، ولا زالت آثار بني هلال ماثلة للعيان ومنها (رحى أبي زيد الهلالي). وكذلك أشعارهم الشعبية يتناشدها العامة والتي حددت مواضع جغرافية مهمة سجلها المؤرخ عبدالله بن هادي الأكلبي في إحدى مذكراته والتي لازالت تلك المواضع باسمها إلى يومنا الحاضر مثل ( بئر المعيذر - الحجف الهلالي - البرقاء بظهر تبالة). ومما ورد من الشعر الهلالي حيال ذلك: أهلك بالوديان وديان بيشه ... وأهلي شمال الشمس يوم تغيب في هذه الجزئيات البسيطة حاولت جاهداً تلخيص أو إضافة شيء إلى دواوين وأقوال المحققين الكبار كالميمني، والبيطار، والنجار، والجاسر، والفحام، وحَسْبُك من القلادة ما أحاط بالعنق، وبذلك نكتفي بهذه المقتطفات عن حنينه إلى وطنه بيشة.