وُصفت محافظة بيشة (جنوب المملكة) بأنها من أقدم المراكز الحضرية في منطقة عسير. وعدّها المؤرخون ممراً للقادمين من جنوب الجزيرة العربية وأفريقيا، وجزر بحر العرب، من التجار والحجاج. وتُبيّن النقوش الإسلامية في بيشة حال الحجاج آنذاك، وطريق انطلاقهم إلى الحج مروراً بها، فمنهم من كان يسير على الجمال، ومنهم من كان يسير على الخيل، ومنهم من كان يسير على الأقدام، ومنهم من كان يجسد صورة الحجاج وهم يلبسون الإحرام. وحظيت بيشة بمعالم تاريخية عريقة، منها مسجد الحيفة الذي يعود تاريخ إنشائه لعام 201ه، ووادي «تبالة» الذي يعتبر من أهم روافد وادي بيشة، وورد اسمه في كثير من المعاجم الجغرافية، وكتب الأدب والتاريخ. ويقول الرحالة المؤرخ الحِميَري في كتابه «الروض المعطار»: «تبالة في الحجاز، في طريق مكة من اليمن، وبينهما أربع مراحل، وهي قرية صغيرة، ويوجد بها عيون متدفقة، ومزارع نخل، وفيها مسجد وجامع ومنبر». وعُثر فيها على مساجد يعود تاريخ عمارتها إلى نحو 300 سنة. بدوره، أكد أستاذ التاريخ القديم المشارك في جامعة بيشة الدكتور مسفر سعد الخثعمي أن «أهم العلامات التي يمكن أن يُستدل بها على مسالك الحج هو وجود المدن ذات الارتباط التاريخي، ووجود النقوش الإسلامية التي عادة ما يسجلها الحجاج على جنبات الطرق، وتجمعات سكانية تنشط فيها حركة البيع والشراء وتوافر المياه والغذاء لقوافل الحجيج، إضافة إلى توفير الأعلاف لدوابهم». وحدد بعض علماء المواضع المحطات التي تقع على طريق الحج في هذه المنطقة بخمس محطات، بينها «أربع محطات معلومة، والخامسة مجهولة المكان، ولم يتم الكشف عنها إلى اليوم، والمحطات من الجنوب إلى الشمال هي: بنات حرب، والجسداء، وبيشة بعطان، وتبالة، والقريحاء». وذكر الشاعر الهمداني في وصف طريقه إلى مكة، أماكن تقع على طريق الحج مروراً في بيشة، التي لا تزال معروفة حتى اليوم، وورد ذكرها في أرجوزة الحج، وهي: «شعب صنان، وهذاب الربضات، وخبت البسط، وجبال الحصاصة، ووادي تلاع، والعضار في رنوم، وأودية: الميثاء، ورنوم، وصهي، سمار، وشعب بعطان، ونجاد ثور، وبيشة، وترج، وقرية النهقة، وذات الدماغ والجذينات، وقرية تبالة، ورياض الخيل، والقريحا». واعتبر الشاعر أحمد عيسى الرادعي من أدق المتقدمين وصفاً لطريق رحلة الحج الذي يعبر بيشة، مثلما تحدّث مؤرخون في مؤلفاتهم واستطردوا في ذلك، مثل ابن جرداذبة في كتابه «المسالك والممالك»، وقدامة بن جعفر، ووصف الإدريسي للطريق، وابن حوقل، ما يؤكد مكانة بيشة التاريخية والحضارية عبر العصور الإسلامية المختلفة.