كانت قريش قبل الإسلام تتسابق لخدمة الحجاج واستقبالهم، لما لهذا من شرف كبير وعظيم عند العرب، لأهمية مكانة البيت العتيق في نفوسهم، ولا يمكن لأي كان أن ينتزعها أو يشوه صورتها. فلقد كانت العرب تهتم بالسقاية والرفادة للحجيج. ثم جاء الإسلام وعزز من مكانة هذه الأعمال وعظم من شأنها. ولا تزال حتى اليوم لها منزلة عظيمة عند العرب والمسلمين وشرف كبير لا يمكن أن يعطى لأحد إلا لمن اختصه الله بفضله ورحمته. وفي يومنا هذا، وبعد أن رمى الحجاج جمراتهم في ثاني أيام التشريق، يعودون فرحين إلى ديارهم، ومن حولهم أناس اختصهم الله بخدمة الحجيج واستقبالهم وتذليل الصعاب لهم. ولابد أن نذكر الدور الفعّال لرجال الأمن الذين يبيتون ساهرين لحمايتهم من أية أخطار أو أعمال إرهابية تمس أمنهم وحياتهم وأماكنهم المقدسة. وأطباء يسهرون للحفاظ على حياتهم ومعالجة مرضاهم، وآخرين يقومون بالخدمات اللوجستية مثل النقل وخدمات الاتصال وتوفير الطعام والشراب وغيره. وكل ما يقدم في هذا الموسم والمواسم السابقة لم يكن إلا ثمرة تخطيط إستراتيجي فريد من نوعه، وقيادة عليا ترى كل التفاصيل الدقيقة، وتعالج كل خطر أو مشكلة يمكن أن تقع قبل وقوعها. إن النجاحات السابقة ما كانت لتقف مكانها وتقنع بما قدمت، ولكنها كانت تستثير نجاحات جديدة أيضاً، فلو رأينا التطور في حرم قبلة المسلمين منذ بداية فترة التوسعات التي شهدتها الدولة السعودية حتى اليوم، نرى أنها تتسارع بوتيرة عالية، لأن القيادة العليا والمتمثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- لم تكن ترى في هذه الأعمال إلا خدمة للمسلمين وللبيت العتيق منذ أن بناه نبينا إبراهيم عليه السلام. كما أنها لم تكن ترى في نفسها إلا خادمة لهذا المسجد الحرام، وهي تتشرف بهذا اللقب في كل زمان وفي كل محفل. وعند الانتقال إلى مبنى الجمرات، فإننا نرى النظرة المستقبلية التي تتميز بها القيادة -حفظها الله- في تطور الجمرات وطريقة الرمي، ففي السابق لم تكن الجمرات تستوعب هذه الأعداد الكبيرة والأفواج العظيمة التي تأتي لتقضي نسكها، أما الآن فيمكنك مشاهدة الحجيج وهم يرمون الحصى في راحة وأريحية وطمأنينة تامة وفي فرح وأمان كبيرين، وهذا كله بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل التفكير الإستراتيجي والرؤية المستقبلية من قبل قيادتنا الكريمة. ونجاح هذا الموسم، والذي يضاف إلى رصيد النجاحات السابقة ما هو إلا محفز لتقديم المزيد لخدمة الحجاج وخدمة المسجد الحرام، ولكن ما يميز حج هذا العام 1438 هجرية هو أنه كان يوجه رسائل واضحة المعاني لكل مشكك في قيادة المملكة العربية السعودية لموسم الحج في هذا العام، والتي زادت الهجمات بفعل المتآمرين من الخارج ولرغبتهم في فشل هذا الموسم. لقد حظي هذا الموسم بإشراف مباشر من ولي العهد الأمين وزير الدفاع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- ، والذي كان يتابع كل تفاصيل الحج وفي كل قطاعاته من أجل راحة حجاج بيت الله الحرام. فشكراً يا سمو الأمير، وجعل ما تقدمونه في موازين أعمالكم. * باحث دكتوراه في العلوم الإستراتيجية