الحياة في مجملها حرب.. كما يقول فرانتس كافكا "حرب مع نفسك.. وحرب مع ظروفك.. وحرب مع الحمقى الذين خلقوا هذه الظروف.." تخيل أننا نقضي أعمارنا ونحن نحارب على كل الجبهات.. حروب مستمرة لا يتوقف عن خوضها الرجل والمرأة معاً.. ولاترتبط هذه الحروب بالتعليم أو المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي.. بل أن كل شخص مهما بلغت قيمته أو عمره أو عقيدته أو بيئته هو في حرب منذ أن يعي ما معنى الحياة إلا أن يغادرها.. وقليلون من يقفون على الحياد.. لأن الحياة الحقيقية لاحياد في أن تعيش داخلها أو تتركها لتعيش خارجاً عنها مكتفياً بمسمى أنك مسجل على قيدها...! في صغري كنت أسمع النساء البسيطات وغير المتعلمات من الجيران والآقارب من تقول "ماصدقت أنني أخرج من البيت نهاري كله قضيته في حرب".. تقول ذلك وهي تزور الجيران في لحظة قبض على الحياة التي تحبها أو تحارب من أجلها.. لم أكن أفهم المعنى ولكن ما تقصده هذه السيدة أنها تقضي النهار تغسل وتنظف وتطبخ وتربي العيال وتغذيهم وتفطرهم ومن ثم تنتهي من كل ذلك بعد حرب وقتال مع نفسها ومع الظروف وهي حرب لاتنتهي إلا بعد أن يكبر الأولاد ولكن تبدأ بعدها حرب أخرى قد لاتعرفها الان لكن من تعود على الحروب سيجدها مشرعة أمامه.. أتذكر هؤلاء النسوة وهن يحاربن من أجل الخروج من المنزل وزيارة الجيران حرب خاصة تدار من طرف مقاتل ومصر على الانتصار..! صورة تلك المرأة التي جسدت حياتها البسيطة وغير المعقدة في مفردة حرب.. والتي لم تعرف كافكا.. هي الصورة الثابتة للمرأة العادية.. وهي صورة الرجل أيضاً الذي يحارب في كل الاتجاهات بحثاً عن توفير حياة كريمة.. أو بحثاً عن النجاح.. أو التفوق.. أو من أجل الخروج مما هو فيه.. في كل الحالات هي حرب مستديمة وقائمة ولاتتوقف.. مهما تخيلنا أننا نأينا بأنفسنا لنغادرها...! في الحياة نقضي أيامنا نحارب ليس ماهو أمامنا بل إننا قد نحارب حتى الهواء ونجدف ضد التيار وهي آصعب أنواع الحروب.. وعندما نكتشف أننا جدفنا بالخطأ نعود مرة أخرى إلى النقطة التي بدأنا منها.. وهنا يكمن مفهوم التعلم.. بأن الحرب في الحياة لاتعني التقدم المطلق بل تعني أنك قد تتقهقر إلى نقطة البداية.. ستتوتر وتصرخ ولكن هذه هي الحروب الحياتية...! نحارب الناس الذين نعرفهم.. والذين لانعرفهم ونحملهم وزر فشلنا.. نحارب الزمن الذي غدر.. دون أن يعلمنا أنه سوف يغدر.. نحارب الأيام القاسية بشجاعة ولكن دون نتيجة.. ومع ذلك نواصل هذه الحروب وكأنها نظام حياة لابد أن نعبر منه ونعود إليه...! ورغم أن بعض هذه الحروب هلامية نشنها من أجل الحرب نفسها فقط بمعنى الحرب للحرب وعدم وجود مسببات تشعل تلك الحروب.. إلا أننا نكتسي في مرحلة متقدمة من العمر بالعقلانية نوعاً ما وتظل حروبنا مقننة ومدروسة.. ربما لكثرة تلك الحروب التي قمنا بها وربما لأننا تشبعنا من الحرب ودخلنا تلك الدائرة المفعمة بالشجاعة التي نستطيع فيه ضبط أعصابنا.. ونكتفي بتلك الحروب الصغيرة ذات النتائج الكبيرة.. متجاوزين هاجس الحروب التي لاتتوقف.. أو مفهوم الحرب مستمرة....!!