نأى الإنسان في رحلة تطوره عن الطبيعة ليكتشف بعد عقود من الحياة في قوالب المدنية بأن في بعده خسارة، لأن في استمرار التبادل بينه وبين تلك الأم الأولى (الطبيعة) حياة لا تبخل قادرة على رفده بالطاقة المُجددة المُحيية. ونلاحظ مؤخراً رجعة البشر في محاولة لربط ذلك الحبل السري المقطوع بهدف استرجاع التبادل السخي. إذ تنتشر في العالم وخصوصاً في الشرق وأوروبا مصحات تلجأ لإعداد برامج لتجديد الحيويات تستقي مفردات الطبيعة التي كانت مبذولة مجاناً وصارت الآن تباع في المنتجعات الراقية وبأسعار باهظة، إنه الإنسان يضطر لدفع الثمين للحصول على المجاني الذي أهمله عبر تاريخه التحديثي وثوراته الصناعية. فعلى سبيل المثال تنتشر في شمال أوروبا مصحات تقدم مثلاً الملح كعلاج. إذ تتباهى إعلاناتهم بشعار يقول "لا ضرورة لذهابك للبحر لأن البحر سيأتيك لناديك الرياضي". وحين تقدم على تجربة ذلك الحضور لأعتابك يأخذونك لما يسمونه "كهوف الملح"، حيث يعدون جواً بدائياً هو تشبيه لأجواف الكهوف، يلحفونك بالأغطية ويتركونك تستلقي على المقعد السرير، وفي الضوء الخافت تتسلل لخلاياك تلك الموسيقى كما لو كانت قادمة من الذاكرة، وتمتد الدقائق بينما يضخون ذرات الملح (الصوديوم كلورايد) في الهواء ويتركونك تستنشقه لخمس وأربعين دقيقة. وبينما تمتد الثواني تشعر بالخفة تدريجياً لكأن ذرات جسدك تتحرر من كمودها وتتبعثر بفرح، يصفو صدرك وتنقشع غشاوات رأسك. تتحول لكائن من الخفة لا شيء فيك راكد أو بليد. وبالاطلاع تدرك السر الكامن في تلك المعالجة، حيث يضخون ملحاً من جبال الهملايا والذي يؤمنون بقدرته على تجديد حيوية ال 84 عنصراً الداخلة في تركيبة الجسد البشري، وهناك نوعان من ذلك الملح، ملح أبيض وملح وردي، بفارق أن الأبيض يحتوي على تركيز أعلى للصوديوم كلورايد، وكلاهما ناجع في امتصاص الأيونات الموجبة والتي تتسرب للجسد من الأجهزة مثل التليفزيون والكمبيوتر والهواتف النقالة والتي تشحذ الجسم البشري بالإشعاع الذي تعده الدراسات الحديثة أهم مصدر للأمراض وخاصة السرطان. إذا فالملح يمتص الإيوانات الموجبة المضرة ويشحذ الجسد بالإيوانات السالبة المحيية والتي تتركز في الطبيعة البكر في المحيطات والشلالات وغابات الصنوبر وذرى الجبال الشاهقة، أي أنها الطبيعة في أعلى تجلياتها نقاء وتنويراً، والتي تنجح ذرات عناصرها في المساعدة في علاج مختلف الأمراض كالحساسية والربو والالتهابات بأنواعها مثل التهاب الجيوب الأنفية والأمراض الجلدية. سلسلة شفاء أقرب للمعجزات في مادة مبذولة مجاناً بين أجراف مرتفعات الهمالايا والبحار. تدرك أن السحر الذي يحققه الملح هو سحر إعجازي على بساطته، لكونه يتلخص في التماهي بالطبيعة والاستسلام لنفحة الخالق الشافية فيها. وبالنهاية فإن الشفاء على ما يبدو هنا لا يتطلب الكثير، فقط أن توجه ذلك الخطاب السري لخلاياك توحي لها بالعافية فتهب قائمة تسعى معافاة، إذ تذهب الدراسات للاعتقاد بأن الجسد لا يحوي دماغاً واحداً وإنما لكل خلية دماغ، وأن بوسع المرء برمجة تلك الأدمغة والإيحاء لها بالمرض أو بالعافية، وبعدها فإن قطرة الماء أو نفحة الملح لها تأثير يفوق في سحره وقدرته على الشفاء أعتى العقاقير وأكثرها إبداعاً. إذاً فما علينا إلا الاسترخاء فالعافية والمرض يكمنان في الاعتقاد الذي يعشش في أدمغتنا اللانهائية.