الإيديولوجيا لهذه الحركة أو تلك كانت السبب الرئيس لبروز هذا الخطاب أو السلوك إن أردت. هذا السلوك قديم/ جديد في التاريخ البشري.. الأجواء الملبدة في عالمنا العربي تشي بأننا بصدد تأسيس مرحلة جديدة هي في طور التشكل ومتزامنة مع تغير واضح في قواعد اللعبة ما يعني تموضعا جديدا للسياسة الدولية. منذ التحرر من الاستعمار لم يعش العالم العربي حالة من الانكشاف كما يعيشها اليوم. تجارب عاشتها مجتمعات عربية خلال العقود الماضية اوصلتها لقناعة بعدم حماسها لأي ارتباط أيديولوجي رغم جاذبيته لان هدفه الإمساك بالسلطة. تلك الأيديولوجيات التي عادة ما يطرحها القوميون والبعثيون والاسلامويون والشيوعيون وغيرهم، يجدها لمن عايشها لا تختلف عن الفاشية أو فلسفة النازية، لسبب وجيه يكمن في الديكتاتورية والاستبداد، بدءا بالمشروع القومي السلطوي في الخمسينيات، ومرورا بأفعال حزب البعث الدموية في العراق وسورية وانتهاء بالشيوعية التي لفظت أنفاسها مبكرا، ناهيك عن تكريس شعار الإسلام السياسي حيث وظف مذهبيا وتمت أدلجته واستغلاله سياسيا وبامتياز كما في أفغانستان والصومال والسودان وغزة والضاحية الجنوبية في لبنان. الاستبداد يعني الحقيقة المطلقة والوصاية بمعناها الدقيق. الحقيقة أن الإيديولوجيا لهذه الحركة أو تلك كانت السبب الرئيس لبروز هذا الخطاب أو السلوك إن أردت. هذا السلوك قديم/ جديد في التاريخ البشري، فالذي يتقوقع وينغلق على ذاته خوفاً من الحاضر والمستقبل، إنما يمارس سلوكاً واضحاً يتمثل في (الرفض)، وعلى رغم انه موقن أن عليه المواجهة أو محاولة التكيف والتعايش على أقل تقدير، إلا أن عقليته لا تتجاوب مع الجديد (فكراً كان أم سلوكاً) كونه يعتقد انه يمتلك الحقيقة الكاملة، ورد الفعل يكون بممارسة سلوك الرفض بتجاهل الاخر ولا قيمة لما يطرحه وعدم الاكتراث به وبالتالي الانغلاق على الذات، والتلذذ بالحلم النوستالجي كما يشير المفكر تركي الحمد، فالنوستالجيا هي حال فكرية تقوم على رفض الواقع الراهن، والتمسك بوضع أو بفترة محددة. الحل الآخر يتمثل في السلوك العنفي، وهنا الموقف الفكري يتحول الى سلوك اجرامي فالانتقام بإسكات الرأي الآخر بآلة القتل وهو السلوك الاشد دناءة وخساسة وقذارة عرفها قاموس التاريخ. كون صاحبها ذا عقلية مريضة وصدر ضيق، أي شخصية تضيق ذرعا بالنقد والاختلاف ولكونها ترفض التعددية والتنوع. أشنع شيء في الوجود هو ان تنتصر في معركة ضد من يجادلك فكرا بتصفيته جسديا. قتل من يعارضك في الراي سلوك مقزز يصادم قيم الإنسانية جمعاء ومع ذلك مازال يمارس ذلك السلوك للأسف الشديد. ان اختلافنا على الحقيقة أساسه اختلاف الناس فيما بينهم، والمنطق يقول ان في هذا اثراء لمعنى الحياة الا أنه في حالة التطرف هو تدمير لها. إن رفض التحديث هو أبرز ظاهرة التخلف التي تتسم بها بعض المجتمعات، وهي التي تنزع لنمط ماضوي تقليدي ما جعلها تشكل ثقافة مضادة لمفهوم الانسنة، لأنها ثقافة استلابيه رافضة للتغيير والتطور الاجتماعي. الملاحظ في أن التيارات والاتجاهات تتساوى في طريقة رد الفعل من حيث الموقف الفكري وقد تتباين على الصعيد السلوكي طالما انها نزعت لدائرة التطرف، فالاسلاموي حينما يرفض الواقع، فإن النتيجة هي (العنف) لأنه بذلك يعارض ما يخالف توجهاته وقناعاته التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تبديلها ودون الالتفات الى واقع الحال. بيد أن هذا ينسحب على أي تيار أو أيديولوجيا معينة لا سيما إذا تطرفت في فكرتها إلى درجة الوصاية والمطلق وليس بالضرورة ان تكون النتيجة العنف بقدر ما يعني ان قناعة هذا المؤدلج ترى الآخرين دائما على خطأ وانه هو الصواب بعينه. ومن هنا نجد أنه على رغم اختلاف مضامين ومحتويات كل خطاب، إلا أن السلوك هو واحد أي عدم القدرة على التكيف مع المتغيرات، والحل يكمن في التمسك بما يؤمن به في قرارة نفسه. تطرف المؤدلج أيا كانت ايديولوجيته نلمسه في إصراره على امتلاك الحقيقة المطلقة وهذا يعني انه رهين لأيديولوجيته كون عقله في حالة اختطاف، ما ينتج عنها حالة رفض للواقع من خلال الاصطدام مع المجتمع. العرب معنيون أكثر من أي وقت مضى إلى الانسلاخ من هيمنة الايديولوجيا والانغماس في فكر تنويري كون طبيعة الحياة التعدد والاختلاف، وتبقى اشكالية العرب في الفكر أولا وأخيرا ان أردنا الحقيقة!