تحضرني قصيدة نبطية أحفظها منذ الصّغر. ربما أن قائلها شاعر قديم، وكانت منتشرة منذ ما يقارب النصف الأول من القرن الميلادي الماضي. سمعت هذه الأبيات الجميلة جدا والدارجة على الألسن بكثرة عند الناس، وهناك تضارب في اسم شاعرها. تقول بعض أبياتها: يا راكب اللي بعيد الخدّ يطونّه = حرايرٍ من ضرايب جيش بن ثاني. من الثميله لدار الشوق يلفنّه ا روحن بالوصايف جول غزلاني تكفون يأهل النضا سجّوا عليهنه سجوا ولجوا وصيور العمر فاني لابد من خامةٍ بيضا على السنه والموت من قبلنا ماعاف راكاني ويقود الشعر الشعبي في حياتنا الأدبية والاجتماعية والجغرافية إلى حقائق يصعب إنكارها، لأن القائل في ذلك الزمن يرفض أن يُنسب إليه ولو قليل من الجهل. فهو (وسيع العِرْف). لا بد أن (ابن ثاني) الوارد اسمه في أول بيت من أجداد أو أعمام آل ثاني الكرام من الحاليين. و(الضرايب) تعني من نسل (ذكر الإبل عندما يُلقّح الإنثى)، وهو تعبير معروف عند أهل البر والإبل والرعي. كذلك فإن كلمة (الجيش) لا تعني العسكر، ولا القوة العسكرية، وكانت في ذلك الزمن تُطلق على تعداد الإبل. ولنعرف أن كلمة (جيش) لا تعني أبدا الحرب والتسلح والدفاع، نقرأ البيتين التاليين: يالله أنا طالبك حمر هوى بالي لا روّح الجيش طفاح جنايبها وان برك الجيش حاديها أشهب اللالي لاهي تورّ وسيع صدر راكبها وواضح أن ذاك الرجل من آل ثاني أخذ حقه من الشهرة والدعاية لا بسبب الركض الجاهل وغير المحمود، بل أخذه بالكرم واقتناء حرائر الإبل، وجعلها سبيلا لإنتاج "الحرائر" بين عرب ذلك الزمن. لعل الحاليين من قيادة الشعب القطري النبيل، بدراسة تاريخ أهلهم، يدركون أن الجيرة تكاد تصل إلى التقديس عند أهلنا في كافة جزيرة العرب، وأن التعالي وطلب العلوّ لا يتأتى بالقفز البهلواني، وأن المجد غير التمجيد. فاستئجار من يساعدهم على التعالي بل وشتم الجيرة ليس من (سلوم) من يستحقون الثناء بكلمة (أو نِعِمْ).