تظل العقلية الإسلامية الواعية والناضجة قادرة على التفاعل والتواصل والتعايش مع مختلف الجماعات الإنسانية ومتفاعلة مع حاجات وأحوال العصر فالإشكال الذي يعترض وعينا ليس في اختلاف مصادر التشريع ومرجعياته بقدر ما هو في تنزيل الحكم الشرعي أو بمعنى آخر بين النظرية والتطبيق مما يستوجب صياغة واقع فقهي جديد يتلاءم مع الحاجات ويراعي ثوابت الشرع الدينية والدنيوية وتغيرات العصر وخطاب دعوي يستوعب حاجاتنا الوطنية ويؤسس للحوار والتسامح والانفتاح الإيجابي على الآخرين ويكرس التعايش والقبول بالتنوعات والتراكيب المختلفة. فالعلاقة مع الآخرين تقوم على وحدة الأصل الإنساني والتكريم الإلهي للإنسان وإحياء مبدأ التعارف والتساكن بين المجتمعات وإعلاء مبدأ القواسم المشتركة فالحضارات تتقاسم أقداراً من القيم كالعدل والحرية وحقوق الإنسان بوصفها أساساً من مبادئ الإسلام والسعي لتقديم الإسلام منهجا هاديا للزمن والمكان والإنسان موصولا بالواقع مشروحاً بلغة العصر منفتحاً على التجديد جامعاً العقل والنص. وهذا يدعونا إلى حيز الفعل الإيجابي والتحرك العملي بحثاً عن قاعدة التعايش السلمي الذي يختزله النص القرآني في مصطلح التعارف. إن الحل العملي يكمن في التواصل مع العالم على المستوى الدولي والإقليمي، لذلك فمن الحصافة وحسن التدبير الدخول في مشروعاته حضارية مع المجتمعات الإنسانية.. ومن خلال هذه المعطيات نرى تأكيد الإسلام على فكرة التجمع العالمي كإطار للتجمع البشري بدلا من المذهب أو الطائفة أو الفئة فالتجمع يسع المجتمعات باختلافاتها. فالخط الإسلامي الاجتماعي يوجب القبول بالآخر أياً كان مما يستوجب إقامة نمط اجتماعي حضاري يستوعب الآخر ويضمن تحديد العلاقات وتوثيق الروابط على قاعدة معنى التعارف والتعايش فالانغلاق والانكفاء يشيع التوتر ويزيد المخاوف والتوجسات والاحتياط من الآخر فثراء الروح البشرية في الاطلاع المتبادل على فكر الآخر قصد حصول التفاهم وزوال الشك. فإذا ما تعاملنا مع هذه المنطلقات بعقل مستنير فسوف نتجاوز بعض اشكالاتنا مع الآخر. يقول مؤلف كتاب الوسطية د. عصام البشير: إن علينا أن ندرك أن تفرد ديننا وخصوصيته المتمثلة في صحة فكرته وصواب منهجه وأحكام شريعته وترابط مجتمعاته غير أن هذه الخصوصية لا يراد لها أن تعزلنا عن الآخرين بقدر ما يراد بها أن تمهد الطريق للتعامل مع الآخرين فالإسلام دين تبدت قدرته على التعايش مع كل المجتمعات البشرية غير المحاربة من نصارى ويهود وغيرهم. وتبدت قدرته الآخرى في تعدديته الحضارية والثقافية والتشريعية والسياسية والاجتماعية وتنمية آفاق التواصل الحضاري والاحترام المتبادل لا فقط باحترام الإنسان في ذاته وإنما بالاحترام الطوعي المبني على الوعي الحقيقي بضرورة التواصل مع الاخر وتبادل قيم الأفكار والإفادة من الآخر في المنهج العلمي في الكونيات والنظم الإدارية المتقدمة وتجديد الإحساس بقيمة الوقت وقيمة العدل في ظل مناخ كريم وشراكة إنسانية قويمة. وفي التركيز على المنظومة القيمية في العلاقة مع الآخر والقائمة على وحدة الأصل الإنساني والإعلاء من شأن الأنساق المتفقة فالحضارات تتقاسم أقدارا من القيم والمبادئ. والالتزام الواضح بالحرية وحقوق الإنسان ومشروعية الخلاف الفكري والعقائدي والتي يدافع عنها الإسلام بوصفها أساساً من مبادئه. وإحياء مبدأ التساكن الحضاري والانفتاح على التجارب الإنسانية وتنسيق المبادرات لتعديد الاتصال والحضور المستمر فالانفتاح على الآخر بكل منطلقاته النظرية وتكويناته من أجل الكسب لصالح الإسلام باعتبارنا أصحاب رسالة. إن الحل العملي يكمن في التواصل مع العالم على المستوى الدولي والإقليمي، لذلك فمن الحصافة وحسن التدبير الدخول في مشروعاته حضارية مع المجتمعات الإنسانية. إن تعقد تكوينات المجتمعات وتداخلها يفترض أن يقابله وعي اجتماعي ونضج سياسي واستعداد فكري وحكمة في التخطيط والتدبير مما يحتم تجديد الآليات وتوظيفها في الصالح العام وذلك عن طريق بلورة رؤى واضحة ومفاهيم جديدة تقوم على تعديد وجهات التعامل إيمانا بشمولية الإسلام وتلازمه مع النقل والعقل ومع ثوابت الشرع ومتغيرات العصر. وأن ننفتح على العالم للتعريف بالمشروع الإسلامي والتقريب بين الأمم وهم ما يمكن أن نجمله في مصطلح الحوار أي أن يتبادل المتحاورون المعلومات والأفكار والحقائق التي تزيد من معرفة كل فريق بالآخر توضيحا لما يكون بينهما من مواطن التلاقي والاختلاف بكل سماحة وموضوعية في جو من الود والاحترام المتبادل ونبسط الثقافة التي تعين على التسامح وإشاعة القيم وتبادل الوفود الإسلامية والتركيز على المنظمات والمؤسسات ذات التوجه الديني المحايد وتبادل الآراء والتفاكر حول القضايا الإسلامية. وتنشيط عمليات التوأمة مع المؤسسات العالمية المحايدة وإعادة صياغة الأفكار الخاطئة وتنظيم الزيارات وتفعيل المراكز والمؤسسات الإسلامية في الغرب والتواصل مع الشخصيات العالمية والمعروفة بمواقفها السياسية والتاريخية المعتدلة وتشجيع الأقلام الدولية المحايدة وتحريك مراكز البحوث والدراسات الإسلامية وتوجيه الجاليات الإسلامية لتفعيل المواقف مع القضايا الإسلامية وتشجيع الحوار الموضوعي وإشاعة روح التفاهم بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة على مستويات العالم وذلك بالتركيز على المعاني الجامعة. والتواصل مع المؤسسات والجمعيات والهيئات ومراكز البحوث والدراسات والمناشط العامة وبسط روح الإخاء والتعايش السلمي وتنسيق الخطط والبرامج ومحافل الحوار.