شاركت كغيري في مؤتمر التعايش المجتمعي الذي عقد في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني وشارك فيه حشد من الشخصيات المهمة أعضاء هيئة كبار العلماء أساتذة الجامعات أعضاء مجلس الشورى، مثقفين، مؤرخين اجتماعيين رجال إعلام أصحاب مذاهب فكرية. كان المؤتمر حواراً فكرياً راقياً وكان هنالك انسجام اجتماعي واعٍ بين المتحاورين وجمهور المؤتمر. فالحوار مهمة وطنية في أول المقامات تحدده عوامل وظروف وطنية وكان التعايش حدثاً أكثر من عادي ترتبط في ثناياه تقريباً جميع الخيوط التي ينتسج منها الوطن. تميز التاريخ الديني والاجتماعي السعودي على -مدى سنوات طويلة- بطابع التآلف والتقارب والتعايش والذي نتج عنه نسيج اجتماعي ملتحم يقوم على احترام المبادئ الدينية والخصائص الثقافية والاجتماعية والمذهبية والعرقية بأسلوب حضاري وسلمي وتلقائي على قاعدة المواطنة هذا الوضع وحده، كفيل بأن يجعل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يشعر براحة من حاول أداء واجبه بقدر ما تسمح به إمكانياته فذلك خير مشجع على مزيد من الإنجاز ومزيد من الطموح. فالسبق الذي أحرزه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في دعوته للحوار يجب أن تقدر أبعاده فالحوار لا يستقيم مع التناقض فدعوة السلم والتعايش مناقضة لدعوة الإقصاء والتعدي لا يلتقيان أبدا إلا من باب الابتزاز والمناورة وتعقيد القضايا الواضحة، وكسب الزمن مما يستوجب فتح الباب واسعاً للتقارب والتعايش وكل ذلك لا يتم إلا بالتحاور والتقارب والموادعة وتحقيق مبدأ التعايش السلمي ونشر التسامح لإقامة واقع جديد يؤسس على قاعدة متينة من مواطن اللقاء الكثيرة المشتركة بعيداً عن العصبيات والسلبيات في جو من التقارب والمخالطة. إذ ليس الغرض من الحوار تبريراً لواقع يفرض نفسه أو محاولة لإرضاء الطرف المقابل أو تفريطاً في مبادئ عقائدية ثابتة إن ما ينبغي أن يدرك هو الكشف عن حقائق غفل عنها المجتمع فصار الآخر خصماً تاريخياً، وذلك بسبب عدم فهم الآخر فلسفته المذهبية أو خلفيته الفكرية التي يقيم عليها تصوره لمنهجية التعامل. فالبحث عن اتفاق والسير مع الآخرين مع الاحتفاظ بالشخصية المذهبية أو الفكرية لا يتعارض مع تعاليم الإسلام التي ترى في مواطن اللقاء أساساً لتحصيل قدر أكبر من حرية الحركة في التواصل مع الآخرين وتحقيق معاني التعارف إلا أن الخطأ يكمن في عدم قدرة البعض على استيعاب حركة التاريخ وقصور فهمه للنصوص. فالصراع الحضاري والتأثير المتبادل وتحقيق الذات لا يكون إلا على أساس مرجعية دينية ثابتة وتوفير أقدار معتبرة من الحرية الفردية والتعبير عن الخصوصية العرقية والمذهبية السمحة وتحقيق فرص المشاركة في رسم الخيارات وتحديد السياسات وهذا يحقق الولاء المجتمعي. فقد تميز التاريخ الديني والاجتماعي السعودي على -مدى سنوات طويلة- بطابع التآلف والتقارب والتعايش والذي نتج عنه نسيج اجتماعي ملتحم يقوم على احترام المبادئ الدينية والخصائص الثقافية والاجتماعية والمذهبية والعرقية بأسلوب حضاري وسلمي وتلقائي على قاعدة المواطنة. فالمجتمع المتنوع يفرض نمطاً معيناً من العيش المشترك يقوم على أساس الاحترام المتبادل، لا فقط باحترام الإنسان في ذاته، وإنما بالاحترام الطوعي المبني على الوعي الحقيقي بضرورة التواصل والتشارك والتركيز على المعاني الجامعة والاحتكاك الإيجابي مهما كانت المنطلقات والمكونات: العقائدية، والفكرية، والعرقية، والأيديولوجية على قاعدة حرية التعايش المذهبي والاجتماعي والفكري كمفهوم مبدئي وقيمة أخلاقية وترسيخ هذه القيمة لتصبح قناعة فاعلة وإقامة المجتمع على أسس التعارف والتعاون والتآلف والتقريب بين مكونات المجتمع، ليكون مجتمعاً مفتوحاً على تنوعاته العرقية والمذهبية والعقائدية والفكرية يتمتع فيه الجميع بحقوق المواطنة مستنداً على عامل الوحدة الوطنية وحقيقة السلم الاجتماعي الذي اتسم به المجتمع السعودي على طول تاريخه، فالتعايش والاستقرار يصنع أولى لبنات الفهم الصحيح لمعنى المواطنة، فعن هذا الطريق يرتبط الإنسان بالأرض ارتباطاً ذا معنى، ومن تبلور معنى المواطنة يتفرع مفهوم الوحدة الوطنية. فالعقلية الناضجة الواعية قادرة على الفعل الإيجابي والتحرك العملي بحثاً عن قاعدة التعايش السلمي الذي يختزله النص القرآني في مصطلح التعارف، ما يستوجب أن نقيم نمطاً اجتماعياً وحضارياً يستوعب مكونات وتنوعات المجتمع، ويضمن تحديد العلاقات على قاعدة المواطنة، فإذا تعاملنا مع هذه الإشكالية بدليل وبرهان وعقل مستنير وإخلاص، فسوف نتجاور هذه الإشكالية، فالعقيدة الإسلامية تبدت قدرتها على التعايش مع مختلف المكونات والعقيدة الإسلامية تؤمن بالتعددية الحضارية، والثقافية، والاجتماعية، وتعمل على تنمية آفاق التواصل والتعايش وإحياء مبدأ التساكن الاجتماعي. والعقيدة الإسلامية تؤكد على مشروعية الخلاف الفكري والتعدد الديني والثقافي وتدافع عنها بوصفها أساساً من مبادئ الإسلام. إن تعقد تكوينات المجتمع وتداخلها، يفترض أن يقابله وعي اجتماعي ونضج سياسي واستعداد فكري وحكمة في التخطيط والتدبير، مما يحتم تجديد الآليات وتوظيفها في الصالح العام، وذلك عن طريق بلورة رؤى واضحة ومفاهيم جديدة تقوم على تعديد وجهات التعامل الاجتماعي. نحن بحاجة اليوم إلى جرأة بالغة في مجابهة واقعنا بتجرد تام، ففي ظل التحديات الكبرى والمتلاحقة التي تهدد مجتمعنا تتأكد الحاجة الماسة إلى ضرورة التواصل والتقارب بين مختلف شرائح المجتمع وتعبيرات الوطن المتعددة.