حتى في الدول المتقدمة تحدث أخطاء وإهمال في قضية الجودة والمتابعة والاستجابة لمطالب الناس. وفي الجانب الآخر تبرز الجوانب الإنسانية وتختفي كل العوامل التي تباعد بين الناس مهما كانت طبيعتها. تعرض برج سكني من أكبر الأبراج في لندن مكون من 24 طابقاً إلى حريق قاتل قبل أيام أدى إلى مقتل 12 شخصاً وعدد كبير من المفقودين والمصابين. رجال الإطفاء والإسعاف كانوا في الموقع خلال 6 دقائق واستطاعوا إنقاذ 65 شخصاً. التساؤلات حول أسباب الحريق سيطرت على التغطية الإعلامية، ومنها مدى سلامة الأبراج السكنية الشاهقة، ومدى سلامة إجراءات الوقاية. أحد مسؤولي الإطفاء قال إنه تجري حالياً عمليات فحص لأبراج سكنية مماثلة!! هذا مؤشر غير إيجابي يعبر عن القيام بالمهام الأساسية كرد فعل. وقد تحدث بعض سكان البرج إلى وسائل الإعلام عن رفع تحذير ومطالب للجهة المسؤولة تتعلق بإجراءات السلامة لكن الاستجابة كانت سلبية. وسيكشف التحقيق مكمن الخلل وتحديد الأسباب والمسؤوليات. الجوانب الإنسانية المرتبطة بهذا الحريق تمثل في دور السكان المسلمين في هذا البرج في عملية الإنقاذ ومنع كارثة أكبر. الاستيقاظ لتناول وجبة السحور أدى إلى إبلاغ السلطات، وإيقاظ سكان البرج مما أدى إلى انقاذ أعداد كبيرة من السكان. هذا السلوك الإنساني سلوك أخلاقي أصيل في ثقافة المسلمين ولا يحتاج إلى تأكيد. سلوك يقدم الصورة الحقيقية لأخلاق المسلم التي أساءت لها مجموعات متطرفة استغلت الإسلام شعاراً لتغطية تطرفها وأعمالها الإرهابية والإسلام منها براء. هذه العلاقة الإنسانية البعيدة عن السياسة والتحزبات والعنصريات دفعت أهل الحي إلى المساعدة وتقديم الملابس والطعام والشراب، وحرص بعضهم على توفير وجبة الإفطار للمسلمين الصائمين. خرج سكان البرج مرغمين، وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى تماماً مثلما تشرد أناس هربوا من أوطانهم بسبب الحرائق السياسية، فكانت المحاضن الإنسانية في انتظارهم. هذه الدروس الإنسانية تذكر الانسان بضآلة التطرف والعنصرية والتحزب أمام قوة العلاقات الإنسانية. أعود للجوانب الإدارية وأكرر أن استجابة رجال الإطفاء للبلاغ عن الحريق استغرقت 6 دقائق. ولست أدري ما هو الوقت المثالي، ولكني سبق أن التقيت بشباب سعوديين التحقوا ببرنامج عن طب الطوارئ في أميركا، وسألتهم عن المدة التي تستغرقها الاستجابة للحالات الطارئة في أميركا فأخبروني بأنها لا تزيد عن 7 دقائق. لا أعلم كم هي المدة عندنا ولكني أعلم أن سيارات الإطفاء والإسعاف تواجه مشكلة في المدن الكبيرة بسبب زحمة الطرق وتجمهر الفضوليين. أحد الاقتراحات لحل هذه المشكلة إيجاد مسارات مخصصة على الطرق للطوارئ وكذلك استخدام الإسعاف الطائر في بعض الحالات. الحرائق وغيرها من الحوادث لها جانب وقائي وجانب علاجي وجانب إنساني وهو الأهم. وفي بلادنا أجهزة فاعلة في مجال الدفاع المدني والإسعافات والطوارئ، ولها تجارب في الإنقاذ يحق لهم الافتخار بها. وهذا مدعاة للتطوير المستمر في إجراءات الوقاية وإجراءات الإنقاذ والاستفادة من التجارب الناجحة والفاشلة في هذا المجال. وأجزم أن المسؤولين في هذه الأجهزة سيدرسون حريق لندن وغيره من حوادث مماثلة، وخاصة موضوع الأبراج السكنية العالية من حيث معايير السلامة والوقاية، والأساليب الحديثة للتعامل مع هذا النوع من الأبراج. ومن الواضح أن بعض الأخطاء أدت إلى حريق البرج في لندن وعلينا مراجعة هذه الأخطاء من أجل تجنبها.