العام 1998 أرسل العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز – والذي كان وليا للعهد حينها – مبعوثه الخاص الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز إلى الجماهيرية الليبية، كي يلتقي العقيد معمر القذافي، لمناقشة ملف قضية "لوكربي"، بهدف الوصول إلى حل سلمي مع المجتمع الدولي، ينهي الحصار المفروض على ليبيا. عملٌ شاق بين عواصم مختلفة، وتنقل إلى طرابلس عبر البر، بسبب حظر الطيران المضروب على الجماهيرية، روى كثيرا من تفاصيله وليام سيمبسون، في كتابه "الأمير"، أدى في النهاية إلى أن تتوج جهود الوساطة السعودية بالنجاح، ويرفع حصار دام سنوات على ليبيا، ويقلد العقيد القذافي الأمير بندر بن سلطان وشاحا، بحضور ولي العهد السعودي –حينها- الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. بضعُ سنوات فقط بعد الجهود السعودية، وفي العام 2003، تُكشف محاولة اغتيال تستهدف ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – حينها - خطط لها ومولتها المخابرات الليبية، بتوجيه من القذافي. "كان ملف التحقيق مكتملا، والمعلومات جميعها متوافرة لدينا، ولم يبق سوى إصدار حكم قضائي بحقهم، يدينهم على فعلتهم"، يقول لي مصدر سعودي رفيع، كان مطلعا على الملف، مبينا أن الملك عبدالله فضل أن يعفو عن الليبيين الذين تآمروا عليه، وهو ما تم بالفعل العام 2005. القذافي ورغم العفو الملكي عن رجال مخابراته، إلا أن نواياها تجاه السعودية لم تتغير، وهو ما كشفته لاحقا تسريبات الأشرطة التي توثق مكالماته مع أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير خارجيته الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، والتي يناقشون فيها الأوضاع الداخلية في المملكة، وكيفية التأثير عليها، بما يضعف سلطة الدولة، ويدفعها إلى التفكك. التسجيلات التي بثت عبر وسائل الإعلام، ليست إلا جزءا من وثائق أكثر تمتلكها المملكة، ولم تظهر إلا جزءا من التفاصيل، وهذا ما يفسر ريبة الرياض تجاه الدوحة، وعدم اطمئنانها لسلوكها والوعود التي تعهد بها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. هنالك حالة من عدم الثقة بين البلدين، سببها ما تعتبره الرياض "تآمرا" من الدوحة تجاهها. وهو ما يدعو لأن يبدأ الساسة القطريون بعلاج المشكلة من هذه النقطة، أي إعادة الثقة بينهم وبين جيرانهم في الخليج، ووقف الأعمال المريبة!. إن قطر دولة مستقلة ذات سيادة، وهي تمتلك حرية تامة في علاقاتها الخارجية، وفي مواقفها السياسية، وفي أن يكون لها رأيها الخاص تجاه القضايا الإقليمية والدولية. وهو ذات الحق الذي تكفله القوانين الدولية للسعودية وبقية دول الخليج. إلا أن ما يعتبر حتى وفق القانون الدولي "جريمة" هو "التآمر"، بأن تخطط دولة سرا لأن تؤذي دولة أخرى، سواء عبر التمويل المادي أو العسكري، أو دعم المجموعات الأصولية. عندما يكون هنالك "تآمر" من دولة تجاه أخرى، فمعنى ذلك أن السياسة تنحّت جانبا، وأن المكائد هي من ستتحكم في مآلات الأمور، وهو ما على الدوحة أن تلتفت إليه قبل فوات الأوان.