فجّر عبدالرحمن شلقم -وزير الخارجية الليبي الأسبق، ومندوب ليبيا في الأممالمتحدة في عهد القذافي- مفاجأةً من العيار الثقيل في برنامج (الذاكرة السياسية) الذي عرضته قناة العربية مؤخراً، ويقدّمه الإعلامي اللبناني طاهر بركة، عندما أزاح الستار عن بعض تفاصيل المحاولة الفاشلة لاغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد، التي خطّط لها القائد الليبي المقتول مؤخراً العقيد معمر القذافي. أكد شلقم أن سبب محاولة القذافي اغتيال الملك عبدالله هو الصدام الذي حدث بينهما في قمة شرم الشيخ في ذلك الوقت، عندما كان القذافي يتكلم عن الأزمة العراقية الكويتية بلهجة فيها تعالٍ، مؤكداً أنه فعل كذا وكذا، ووصف الملك فهد بن عبدالعزيز خلال كلمته بأنه (مسكين)، وهي كلمة تثير التعاطف مع من يُوصف بها في اللهجة الليبية، فانفعل الملك عبدالله وهاجم القذافي بعنف، وسكت القذافي. وبدأ الموضوع يكون محلّ سخرية ونكات في ليبيا؛ مما دفع القذافي إلى التخطيط لاغتيال الملك عبدالله، وأخذ يحلم بتقسيم السعودية. وتحدث شلقم عن بعض تفاصيل خطة الاغتيال، فذكر أنه كان يقودها ضابط اسمه محمد إسماعيل، ذهب إلى السعودية، وتمّ التعاون في ذلك مع المعارض السعودي السلفي سعد الفقيه، مؤسّس الحركة الإسلامية للإصلاح السياسي، الذي أنشأ له القذافي قناة الإصلاح الفضائية المعارضة. وأكد شلقم أن الشرطة السعودية كانت ترصد كل شيء بخصوص محاولة الاغتيال؛ فقد زوّد سعد الفقيه الضابط محمد إسماعيل بأسماء اثنين أو ثلاثة أفراد داخل المملكة، وحصل محمد إسماعيل على نحو مليون دولار في كرتون عن طريق شخص مصري، ووضعها خلف باب في غرفة في فندق، ثم اتصل بهؤلاء الأشخاص السعوديين، وأخبرهم بالمكان وأعطاهم المفتاح. وعند مجيئهم لأخذ الأموال قبضت عليهم الشرطة السعودية، وحاول محمد إسماعيل الفرار، فتوجّه إلى المطار، لكن قبضت عليه الشرطة. وأكد شلقم أن القذافي كانت له عداوة مع دول الخليج عامةً، والسعودية خاصةً؛ لأنه كان مهووساً بزعامة الأمة العربية، وكان يرى نفسه أكبر من ليبيا. وبعد انكسارات مصر المتتالية أيام عبدالناصر: الانفصال عن سورية، وحرب اليمن، وهزيمة يونيو 1967م، ثم انتصار أكتوبر 1973م ومعاهدة كامب ديفيد التي حيّدت دور مصر، لم يجد القذافي منافساً له على الزعامة العربية إلا دول الخليج، خصوصاً بعد ارتفاع أسعار النفط الذي جعل الزعامة في يد من يمتلكه. وتفوّقت السعودية على غيرها من دول الخليج بثقلها الروحي الإسلامي لوجود الحرمين بها، وثقلها المادي الاقتصادي لوجود النفط في أراضيها، وثقلها السياسي بسبب سياستها المعتدلة وعلاقتها الودية مع جميع الدول. كما كان القذافي يرى في الملك عبدالله وجهاً عروبياً وشعبياً، خصوصاً بعد أن أصبح للملك عبدالله حضور كبير في الشارع الليبي بعد مواقفه الإيجابية تجاه قضايا الشعب الليبي؛ مثل موقفه من الحصار الليبي المفروض على ليبيا عندما قال للرئيس الأمريكي بيل كلينتون: نحن نحبّ العراق ونكره صدام، لكن نحب ليبيا ومعمر، حاثاً إياه على إيقاف هذا الحصار الظالم للشعب الليبي، وازدادت شعبية الملك عبدالله في ليبيا بعد تدخّله في حلّ أزمة لوكيربي. وذكر شلقم أن القذافي حاول مراراً تأليب الملوك السعوديين على مصر؛ فقد حاول إقناع الملك فيصل بضرورة تزعّم السعودية للأمة العربية، ومعها ليبيا، وتقزيم دور مصر؛ لأنها دولة توسعية فرعونية؛ فإبراهيم باشا احتلّ السعودية وسورية، وعبدالناصر حاول احتلال اليمن حتى يحتلّ السعودية بعدها. لكن الملك فيصل لم يأبه بكلامه، ولم يأخذه مأخذ الجد، ولم يدخل معه في حوار موضوعي جادّ قط، بل كان يسخر منه ويتجاهله، وكذلك كان يفعل الملك فهد؛ أي أن ملوك السعودية كانوا يمثلون مشكلة للقذافي أكبر من أمريكا والغرب.