لم يعرف الركاب الذين صعدوا في الطائرة المدنية الليبية المتجهة من بنغازي الى طرابلس اي مصير ينتظرهم. خططت الاجهزة الليبية لتفجير الطائرة وكان الهدف إلصاق التهمة بأميركا وفرض نوع من المقايضة مع طائرة «لوكربي». انفجرت الطائرة وتناثرت الأشلاء. وشاءت الصدفة ان يكون قائدها عديل وزير الخارجية الليبي السابق علي عبدالسلام التريكي. حاول التريكي بعد اندلاع الثورة الاجتماع بالقذافي لكنه لم ينجح. وحين انشق عبدالرحمن شلقم مندوب ليبيا في الاممالمتحدة عن النظام ووجه اليه ضربة قاسية وقع خيار القذافي على التريكي. تظاهر الرجل بقبول المهمة وخرج الى تونس وحين وصل الى القاهرة اعلن انشقاقه. وهنا نص الحلقة الرابعة: ماذا تقول عن عملية تفجير الطائرة الاميركية فوق لوكربي؟ - هذه القضية معقدة فعلاً. ليبيا اتُهمت بالعملية وسواء كانت وراءها ام لا وسواء نفذتها منفردة ام بمشاركة آخرين، فإن تلك قضية كان يجب أن يبحث فيها مجلس الطيران في كندا ويُصدر فيها قرار ويتم التحقيق على هذا الأساس. صدر قرار من مجلس الأمن وكان ذلك مقصوداً لأن ليبيا كانت ضعيفة في ذلك الوقت وكانت محاصرة واعتقادي انه حتى لو لم تكن ليبيا المسؤولة، فإنه كان سيُصار الى تحميلها المسؤولية. هل تعتقد ان ليبيا غير مسؤولة عن حادثة لوكربي؟ - هناك أقوال كثيرة، إذ كانت هناك فرضية أن ليبيا مسؤولة، كما طرحت فرضية مسؤولية بعض العناصر الفلسطينية. حتى لو أن ليبيا كانت المسؤولة فإن القرار لا يصدر عن مجلس الأمن وما تلاه من حصار وفرض عقوبات. حصلت تفجيرات لطائرات عدة في السابق، مثل الطائرة الهندية التي انفجرت فوق المحيط الأطلسي وذهب ضحيتها الكثيرون، والطائرة المصرية التي انفجرت في اميركا فقيل ان الطيار ردد بعض العبارات. في تلك الحوادث لم تُتخذ الإجراءات التي اتُخذت ضد ليبيا كدولة فقد استغلوا ضعف الليبيين وتوّحد مجلس الأمن ضد ليبيا، وتصرفات معمر القذافي ربما أدت الى تفاقم هذا الموضوع. انا لا اريد تبرئة الاجهزة لكنني اشير الى ان طريقة العقاب كانت غير عادية. هل كان المسؤولون الليبيون يتحدثون في ما بينهم عما إذا كانت ليبيا نفذت التفجير أم لا؟ - حتى لو كانت ليبيا المسؤولة فإن ذلك لم يكن بعلم المسؤولين الليبيين، لكن المفروض لو وجد قانون دولي نزيه فإن القضية لا ترقى الى مستوى قضية ضد دولة فيُصار الى محاصرتها ويُمنع عنها الغذاء، رد الفعل كان مبالغاً فيه في شكل كبير. الحصار آذى الليبيين وأضعف ليبيا. تصرفات معمر القذافي الشخصية هي التي فاقمت الموقف. ما قصة طائرة «يو تي آيه» الفرنسية التي قيل ان الاجهزة الليبية فجّرتها فوق النيجر لاعتقادها ان المعارض محمد المقريف كان بين ركابها؟ ينطبق عليها ما ذكرت عن لوكربي، وصدر حكم في شأنها في فرنسا. المنطق الموجود في هذا العالم الغريب يجعل أي خلاف بين دولة كبيرة ودولة صغيرة يخسّر الدولة الصغيرة الحُجة والقرار يكون للدولة الكبيرة. هل تعرف الرئيس بشار الأسد شخصياً؟ - نعم قابلته ونقلت اليه رسائل تتعلق بإطار العمل العربي المشترك. علاقاته مع معمر القذافي لم تكن علاقات خاصة كما كانت الحال مع والده الرئيس حافظ الأسد، وكان القذافي ينادي بشار «يا إبني». مشكلة القذافي أنه كان ينادي الملك محمد السادس أيضاً «يا إبني»، وكان ذلك يُسبب للحكام (الشبان) إزعاجاً. بشار الأسد زار ليبيا ولكنني لم أكن موجوداً خلال زيارته. تعرفت إلى القذافي عام 1973. متى أدركت أن القذافي يتوجه نحو كارثة؟ هل كنت تتوقع أن يصل «الربيع العربي» الى ليبيا؟ - نحن حقيقة منذ عام 1975 ومعي بعض الزملاء بتنا ندرك خطورة الموقف بعد التصفيات التي تمت وعمليات الإبادة والقتل، وعملية سجن أبو سليم لاحقاً، تلك التصرفات كانت تنذر بكارثة. تصرفات القذافي ثم تصرفات أولاده المالية وسيطرتهم على الاقتصاد كانت أمراً مزعجاً، فقد أعلن «الجهاد» على سويسرا نتيجة لأن ابنه هنيبعل، وزوجته اللبنانية، تسببا بمشكلة هناك. أولاده أساؤوا اليه في شكل كبير وكذلك هو كانت تصرفاته حمقاء بخاصة عندما بدأت الثورة ضده، أعطى تعليمات بقتل الناس خصوصاً في مصراتة حيث طلب إبادة جماعية لأهلها، ومحاولة تدمير بنغازي. كانت تصرفات شخص أهوج. إذا كانت هناك ثورة ضدك كحاكم عليك أن تحاول حل المشكلة سياسياً لا أن تبيد شعبك وتنعت الناس بالجرذان و «مَنْ أنتم»؟ القذافي في السنوات الأخيرة أصبح خارج الواقع. هل كان التوريث مطروحاً فعليا وأن سيف الإسلام سيكون خليفته؟ - لم يتحدث علناً عن ذلك معنا لكن تصرفاته كانت توحي بذلك، بعدما أصبح التوريث في العالم العربي مباحاً بعد الذي حصل في سورية وما كان يُحضّر في اليمن، وأصبحت الجمهوريات كالملكيات في الوطن العربي. كل حاكم عربي يريد نقل السلطة الى إبنه. كيف كانت علاقة القذافي بالرئيس حسني مبارك؟ - كانت جيدة وأعتقد أنه دعم مبارك في مصر، لكن لم يكن لدي اطلاع مباشر على هذا الأمر. مَنْ كان الرجال الأساسيون حول القذافي في السنوات الأخيرة؟ - من الصعب الحديث عن رجال اساسيين في بلد حجم الصلاحيات فيه مرهون برضى الحاكم. هناك أشخاص لديهم وظائف، لكن الناس الأقرب اليه لا يملكون مناصب، مثل أقربائه وكتائب الأمن الخاصة به ومجموعة من قبيلته بينهم خليفة حنيش الذي توفي أخيراً. ماذا كان موقع عبدالله السنوسي؟ - عبدالله السنوسي عديل القذافي وله تأثير عليه وبقي معه. كان رجل أمن، مدير الاستخبارت العسكرية ونائب مدير المخابرات العامة وكان مقرباً منه. بالنسبة الى معمر القذافي كان هو السلطة المطلقة على رغم وجود ناس قريبين منه في الأمور الداخلية، مثل رؤساء الوزارات والبغدادي المحمودي بينهم. خلال الاجتماعات هل كان القذافي يقبل أن يعارضه أحد؟ - ممكن أن يتقبل المعارضة خصوصاً خلال اللقاءات الثنائية أي على إنفراد. ما المواقف التي تذكرها بينكما؟ - هناك مواقف عدة في ما يختص بالسياسة الخارجية كنت أقول رأيي فيها وأعترض عليها لأنها غير مناسبة أو غير منطقية، لكن إذا أصر ننفذ ففي النهاية هو يتحمل مسؤوليتها. كنا مجموعة من السياسيين نجتمع بالقذافي، مثل عبدالرحمن شلقم وبشير صالح، سكرتير القذافي، وشكري غانم، نناقشه في كثير من المواضيع ونعارضه أحياناً. كيف كانت تجربة عبدالرحمن شلقم في وزارة الخارجية؟ - عبدالرحمن شخص جيد وعاقل وله رأيه، وعلاقتي الشخصية به جيدة جداً. بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 هل حدث تحول في نهج القذافي؟ هل كان يكره الإسلاميين في الداخل؟ - لا علاقة للقذافي بأحداث 11 سبتمبر لا من قريب ولا من بعيد، لكن سيف الإسلام اجتمع مع الإسلاميين وتناقش معهم وتم العفو عن البعض منهم على رغم أن الكثير من الإسلاميين تعرضوا للقتل، خصوصاً في سجن أبو سليم (المذبحة الشهيرة التي راح ضحيتها 1270 سجيناً)، وفي غيرها من التصفيات. هناك ايضاً مذبحة الطائرة الليبية في 1992 والتي قتل فيها 157 شخصاً. الاعتقاد السائد هو ان الاجهزة الليبية أسقطتها عمداً وحمّلت الاميركيين في حينها المسؤولية بذريعة انهم لم يزودوا ليبيا قطع الغيار. كانت عملية مدبرة والطيار كان عديلي علي الفَقَيّ وقتل فيها. الطائرة أسقِطت بصاروخ بعدما كانت زرعت بمتفجرات لم تنفجر بطريقة صحيحة. وتردد ان الغرض من الجريمة كان إجراء مقايضة مع الاميركيين في قضية طائرة «لوكربي» اي نحن اتهمنا بإسقاط طائرة وأنتم اتهمتم بإسقاط طائرة فلنقفل الملف. طبعاً هذا تفكير ساذج. كيف كان موقفك كوزير للخارجية ومبعوث للرئيس الليبي بعد ادوار القذافي هذه وكيف كانت الدول تتعامل معك؟ - واجهت مشاكل عدة وتلقيت ردود فعل دولية تجاه أعمال لا أخلاقية بخاصة لجهة تعقب الليبيين (المعارضين) في الخارج وتصفيتهم. هل تولت الاستخبارات الليبية مهمة تصفية الليبيين المعارضين في الخارج ام استعانت بآخرين مثل جماعة «أبو نضال» مثلاً؟ - نعم عبر أشخاص مأجورين يثقون بهم، لكن لا أعرف إذا تم استخدام «أبو نضال» أم لا، لكن من المؤكد أنهم استخدموا بعض الفلسطينيين. استخدم القذافي «الجيش الأحمر» الياباني واستخدم كذلك «الألوية الحمر»؟ - كانت لديه امكانات ضخمة واستخدم كثيرين. الإرهاب الذي مارسه معمر القذافي ضد المعارضة الليبية في الداخل والخارج أمر غير مقبول. كذلك أعتقد أنه كان وراء عملية خطف وزراء «اوبك» في فيينا التي ذهب ضحيتها بعض الليبيين مثل يوسف الازمرلي الذي كان صديقنا وزميلنا وكان موجوداً ضمن الوفد الليبي وقُتل خلالها. متى أعلنت طلاقك مع النظام في ليبيا؟ - بعد عودتي من الأممالمتحدة ورئاستي الجمعية العامة في نيويورك طلبت إعفائي. وذكرت أنني غير راغب في الوظيفة اطلاقاً، فقد أمسكت أعلى وظيفة في العالم رئيساً للجمعية العامة في الأممالمتحدة ولم يعد لدي أي رغبة للعمل في وزارة الخارجية. ابلغت هذه الرسالة الى معمر وأنني أريد أن أترك وأتقاعد. عندما بدأت الأحداث كنت في طرابلس. ذهبت الى السنغال ولدى عودتي بدأت الأحداث في بنغازي وحاولت الاتصال بالقذافي للقائه أو التحدث اليه لإبلاغه أن ما يحدث غير مقبول. اتصلت بسكرتيره بشير صالح فلم يرد عليّ ثم اتصلت مرة ثانية وتحدثت الى أحد موظفي السكرتارية ولم يعودوا اليّ لتحديد موعد لي مع القذافي. بدأت الأحداث وأنا في طرابلس. حتى خلال الأحداث كانت مشاركتي مجمدة ولم أدعَ الى اجتماعات اللجنة السياسية، التي شُكِّلت لمعالجة الموقف. عند تطور الأحداث، وبعدما اتخذ عبدالرحمن شلقم موقفه، تذكروني وطلبوا مني التوجه الى نيويورك، وكان موقفي صعباً جداً سواء كان ردي بالرفض أو الموافقة وبدأت أخطط للخروج من البلد. طلبوا مني التوجه لمقابلة بان كي مون (الامين العام للامم المتحدة) في تونس. ذهبت الى تونس لكنني لم أقابل الرجل ولم أطلب مقابلته بل قابلت الباجي قائد السبسي وهو صديقي وكان رئيس وزراء تونس وأبلغته أنني سأسافر واتصلت بالسفير الاميركي في تونس وطلبت منه إبلاغ حكومته ألا يصدروا تأشيرة لي لأنني لا أرغب في السفر الى نيويورك (مبعوثاً من القذافي). واتصلت هاتفياً بسوزان رايس وأبلغتها. اتصلت أيضاً بفرنسوا غييان الذي كان سفير فرنسا في ليبيا وتسلم الملف الليبي في وزارة الخارجية الفرنسية. أخذت إجراءاتي ومن تونس توجهت الى القاهرة في 20 آذار (مارس) 2011، وكانت الثورة بدأت في بنغازي في 17 شباط (فبراير)، وأصدرت يومها من القاهرة بياناً دنت فيه ما يجري وقدمت استقالتي وأعلنت انشقاقي عن النظام. أنا توجهت من تونس الى القاهرة على أساس أنني سأطلب تأشيرة من سفارة اميركا في القاهرة وأبلغت الاميركيين في القاهرة أنني لا أريد التأشيرة. يوم 21 آذار (مارس) هجمت كتائب القذافي على منزلي في طرابلس وتم تدميره بالكامل بعدما أخذوا كل مقتنياتي، زوجتي غادرت معي وكنت رتبت سفر ابني محمد قبل مغادرتي ليبيا. خسرت كتبي وصوري ووثائق وتذكارات 40 سنة من العمل. وظهرت قائمة الخمسين شخصية الذين تم إهدار دمهم وإباحة قتلهم بأمر من القذافي، وأنا من ضمنهم. بقيت في القاهرة حيث لقيت كل الدعم من الحكومة المصرية والأمن المصري. بدأت من أيامي الأولى في القاهرة العمل من أجل دعم الثورة الليبية، سواء إعلامياً أو من خلال اتصالاتي مع البريطانيين والفرنسيين واتصلت بالرئيس (الجزائري عبدالعزيز) بوتفليقة، وهو صديقي، ليدعم الثورة الليبية، ووجهت اليه رسائل عدة بينها رسالة من طريق عبدالقادر حجّار، سفير الجزائر في القاهرة، ومن طريق الأخضر الابراهيمي اللذين أوصّلا اليه الرسالتين. كما اتصلت بأصدقاء لي في الحكومة السودانية وطلبت دعمهم. قابلت نبيل العربي وكان وزير خارجية مصر حينها وحدثته مطولاً وبيّنت له موقفي، كما تكلمت مع المسؤولين عن الأمن المصري والاستخبارات العامة المصرية. وبدأت أعمل من أجل الثورة الليبية. هل لك علاقة مع المجلس الوطني الحاكم؟ - كانت لدي علاقة بمصطفى عبدالجليل حين كان وزيراً للعدل في ليبيا ولا علاقة لي مع الآخرين، لكنني لم أتصل به مطلقاً ولا بأي من أعضاء المجلس الوطني الحاكم. أنا انشققت عن النظام وبدأت العمل لدعم الثورة لكنني لم أتصل بالمجلس. أنت الآن لا تزور ليبيا، هل هناك أي إجراء ضدك هناك؟ - أصدر المجلس الوطني الحاكم قراراً بمصادرة أملاك بعض الليبيين، الذين يعتبرونهم من أزلام القذافي، وأنا منهم. وضعوا الأملاك تحت الحراسة لكن هذا غير مقبول قانونياً وغير منطقي لأن المجلس الانتقالي أساساً مجلس موقت ولا يصدر مثل هذه القرارات التي هي من اختصاص القضاء. مصطفى عبدالجليل عمِل مع النظام وزيراً وكان رئيس محكمة الشعب. الكثير ممن قادوا الثورة عملوا مع النظام، وهذا لا يعني أن كل مَنْ عمل في عهد القذافي كان مع القذافي، أنا عملت للدولة الليبية. هل لديك الكثير من الأملاك في ليبيا؟ - لدي بيت كبير بنيته في أرض اشتريتها عام 1966 قبل الثورة الليبية، أنا لم أعمل في التجارة أو في شركات ولم أحصل على عمولات من شركات. العمل في الخارجية كله أوراق: أحيل وأرفق ورسائل... ليس فيها أموال ولا موازنات. حدثنا عن نشأتك. - أنا من مواليد مصراتة في تشرين الأول (اكتوبر) من العام 1938. درست في الجامعة الليبية أولاً ثم في جامعة تولوز في فرنسا حيث حصلت على درجة الدكتوراه في التاريخ السياسي. أجيد اللغتين الفرنسية والانكليزية. متزوج ولي ابن في الخارج وأربع بنات ما زلن يقمن في ليبيا. ماذا تشعر بعد هذه التجربة الطويلة؟ هل أنت نادم على العمل مع القذافي؟ - أشعر أنني أديت واجبي تجاه بلدي خلال عملي، طوال هذه الفترة، وأعتز بخبراتي سواء في الأممالمتحدة أو في الجامعة العربية ولم يحدث إطلاقاً أنني تكلمت عن معمر القذافي كشخصية أو شكرته، لا في الأممالمتحدة ولا في الجامعة العربية ولا في دول عدم الإنحياز ولا في المؤتمر الإسلامي ولا في أي مكان، ولا في أحاديث صحافية. هل التقيت كاسترو؟ وكيف كانت علاقة القذافي به؟ - نعم التقيته. كاسترو زعيم كبير قد تختلف معه كماركسي لكنه زعيم ذو خبرة يختلف كثيراً عن معمر القذافي. كاسترو قائد. ما هي علاقة القذافي بتوني بلير؟ - كانت علاقة انتهازية سياسية، من جانب بريطانيا ومن جانب معمر بالذات، وأصبح سيف الإسلام يعتبره صديق العائلة. قابلت 138 زعيم دولة... من هي الشخصية التي استحوذت على إعجابك؟ - أكثر رئيس تأثرت به وبشكل كبير هو الرئيس علي بوتو، كان مناضلاً حقيقياً. حضرت خطابه في الأممالمتحدة بعد انفصال باكستان ولمست مدى تأثيره كسياسي. ثم قابلته كرئيس وزراء أكثر من مرة وتحدثت اليه مطولاً. وحضرت محنته عندما تمرد عليه مولاي محمود والتيار الديني وحاولت التوسط بينهما. حضرت قمة لاهور الإسلامية وكان رئيسها. علي بوتو رجل سياسي مطلع وبارع. أيضاً رئيس الوزراء اليوناني اندرياس باباندريو أعجبتُ بشخصيته وجوليو اندريوتي من ايطاليا والرئيس الراحل هواري بومدين. وبيني وبين الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة صداقة عزيزة. الرئيس بومدين زعيم سياسي عربي كبير. أنا أقدر أيضاً الرئيس حافظ الأسد تقديراً كبيراً، كان بعيد النظر وسياسياً محنكاً. ومن الرؤساء الأفارقة أقدر الرئيس فيليكس هوفويت بوانييه وطبعاً نلسون مانديلا. ما هي أصعب مهمة كلفك بها القذافي؟ - قضية تشاد أتعبتني لأنها قضية شعب جار وقضية حية. ماذا قال لك فرانسوا ميتران عن القذافي؟ - ميتران التقى القذافي في جزيرة كريت وكان مستعداً للتفاهم مع ليبيا. أنا كنت من أواخر السفراء الذين قدموا أوراق اعتمادهم الى ميتران قبل وفاته. هل التقيت الرئيس جاك شيراك؟ - التقيت شيراك أكثر من مرة وهو شخص مطلع ويتعاطف جداً مع الشؤون العربية. مَنْ التقيت من المسؤولين السعوديين؟ - أول لقاء لي كان مع الملك فيصل، رحمه الله، في 1973 للبحث في قضية المسلمين في جنوب الفيليبين ضد نظام ماركوس. القذافي كان يقدم مساعدات للمسلمين هناك وهو أثار الموضوع وحمّلني رسائل الى حكام الخليج العربي. الملك فيصل كان شخصية مؤثرة وقيادية ومحللاً سياسياً جيداً ومطلعاً على الوضع الدولي وحماسته لقضية فلسطين كانت كبيرة جداً، وحضر معي الاجتماع المستشار رشاد فرعون، وكان مع الملك أحد أخوانه. وكان الملك فيصل يعرف أنني مدخن شره فأعطاني الإذن بالتدخين (في مجلسه)، وتحادثنا مطولاً في القضايا العربية وفي قضية المسلمين في الفيليبين. وللأسف كان لديه حينها عتب كبير على الزعيم كمال جنبلاط بعدما أطلق تصريحاً لم يتضمن مراعاة لبعض المشاعر الاسلامية. نقلت رسائل مماثلة الى الشيخ زايد بن سلطان. الشيخ زايد كان رجلاً عفوياً وممتازاً. التقيت الملك خالد مرتين، مرة في جنيف بخصوص «اوبك» ومرة في الرياض. وقابلت الملك فهد مرات عدة. الملك فهد كان صاحب شخصية محببة ومحاوراً جيداً. حقيقة، أعضاء العائلة المالكة السعودية يتميزون بالهدوء والأدب في التعامل مع الناس وعلاقاتي معهم شخصياً كانت ممتازة وحاولت تصحيح ما أمكن... علاقتي مع الأمير سعود الفيصل ممتازة. إلتقيت الأمير سلطان في باريس وهو شخصية محببة ومنفتح ومستمع جيد ومطلع على الوضع العربي والدولي ومشاعره الإسلامية حية. سلوك العائلة المالكة السعودية معتدل عربياً وإسلامياً ولا يحبون الخلافات.. أي نوع من الكتب تقرأ؟ - أقرأ الكتب السياسية ومذكرات القادة. ماذا كان شعورك يوم مقتل القذافي؟ - كنت أتوقع له مثل هذا المصير لأنه لم يوفر لنفسه مخرجاً. دمر نفسه ودمر أسرته ودمر البلد معه. أنت عايشت القذافي وصدام حسين وقد دمرا بلديهما ودمرا عائلتيهما ودمرا نفسيهما. - للأسف لقد عاشا على الأوهام. القذافي كان عندما يتحدث ويقول إن الشعب يحبه والشعب يقدره... وهذا كذب. إذا كان الشعب يحبك تصفهم بالجرذان، هذا غير مقبول. انها مأساة حين تسمع من زعيم نظام ديكتاتوري يقتل شعبه عبارة «شعبي يحبني». يقتل الديكتاتور شعبه ثم يهتف «شعبي يحبني». المقلق ان هناك من لا يريد ان يتعلم. (غداً حلقة أخيرة)