اقتحمت التقنية كل تفاصيل حياتنا، وفتحنا لها قلوبنا وعقولنا، وأصبحنا جزءاً منها، لا نستطيع أن نستغني عنها دقيقة واحدة على مدار اليوم، وإلا أصبحنا متخلفين عن الركب. في منزل كل منا جهاز كمبيوتر، وفي أيدي كل شخص جهاز جوال، وغالبيتها متسلحة بخاصية الإنترنت، التي تربط العالم، وتجعل منه قرية صغير جداً، تستطيع أن تتواصل مع كل من تحب في نفس الحظة، وتنهي أعمالك ومعاملاتك في بضغطة ذر واحدة وأنت جالس في مكانك. في مقابل كل هذه المزايا، ظهرت سلبيات لهذه التقنية، ولعل أخطرها، عمليات الهجوم الإلكتروني المتكررة، على مواقع الشركات والمؤسسات والأفراد، والحسابات البنكية، بهدف اختراقها، وسرقة معلومات خطيرة فيها، أو طلب فدية لإعادة ما تمت سرقته. وقد كثرت في الآونة الأخيرة، عمليات الهجوم الإلكتروني، بشكل منظم ومدروس، يشعرك أن القائمين على هذه العمليات شركات كبرى، لديها خبرات في هذا المجال، وتعرف جيداً ماذا تعمل وكيف تخطط، والدليل على ذلك، تلك الاختراقات المنظمة جداً عبر فيروسات تضرب أجهزة الكبيوتر في العالم كله، في نفس اللحظة، ويبقى خطر هذه الفيروسات قائماً، إلى أن تكتشف شركات أخرى الحلول العلمية لمواجهة هذه الفيروسات والقضاء عليها. ومن هنا انتشرت أقاويل تتهم الشركات العاملة في إنتاج التقنيات، بأنها هي التي تقف وراء عمليات الهجوم الإلكتروني، وإنتاج الفيروسات الإلكترونية، لإنعاش مبيعات برامج الحماية الإلكترونية. وبعيداً عن صحة هذه المعلومة أو كذبها، أرى أنه من الضروري جدياً قيام المؤسسات السعودية والشركات الخاصة أن تبادر بالتأمين لحماية نفسها من أي هجمات إلكترونية، ولا مانع أن تخصص ميزانيات كبيرة، للحد من خطورة هذه الهجمات وتأثيراتها المستقبلية، مع الوضع في الاعتبار أن خسائر تأثيرات تلك الهجمات قد تتجاوز فاتورة علاجها، وكلنا قد تابع كيف تعرضت بعض القطاعات والوزارات لهجمات إلكترونية منظمة في الفترة الأخيرة، أربكت الأداء فيها، وعطلت مصالح الناس، ومن هذه الهجمات على سبيل المثال، ما أعلنت عنه هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية المنظمة لقطاع الاتصالات في المملكة، إذ حذرت في يناير الماضي من هجمات إلكترونية مختلفة من نوع فايروس "شمعون 2" أتبعه التحذير من فايروس "الفدية"، الذي يستهدف المعلومات والملفات وتمسحها بشكل كامل، وأوصت الهيئة جميع الجهات برفع مستوى الحيطة والحذر والتحقق من وجود الاحتياطات اللازمة. ولم تستطع الشركات والمصارف حول العالم إحصاء حجم خسائرها نتيجة هجوم "الفدية الخبيثة"، والذي وصف بالأضخم والأكثر فتكًا وانتشارًا، بعدما طال الهجوم في يوم واحد نحو 200 ألف نظام في 150 بلدًا. إلا أن القراصنة طلبوا 300 دولار من كل متضرر لإعادة تشغيل حاسوبه، وبالتالي كانوا يطمحون للحصول على 60 مليون دولار من خلال عمليتهم هذه، أما الخسائر التي لحقت الشركات والمؤسسات من هذا الهجوم فلا تزال حتى اليوم غير محددة.. هنا نتحدث عن أهمية التأمين في عموم قطاع التقنية لتجاوز أي خسائر يمكن أن تحدث. فايروس "شمعون 2" الذي ضرب العالم نهاية 2016.. أكد تقرير صادر عن المركز الوطني للأمن الإلكتروني في وزارة الداخلية، إصابة أكثر من 1800 خادم، ونحو 9000 جهاز حاسب آلي، في 11 جهة حكومية وخاصة، وقدرت الخسائر الناتجة عن الهجمات الإلكترونية بنحو 2.8 مليار ريال، الأمر الذي يحتم علينا في المملكة، اتخاذ التدابير التقنية اللازمة لحماية الأجهزة الإلكترونية من أي هجمات محتملة، ولا مانع من تقنين هذه العمليات، عن طريق إلزام الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات الخاصة، بالتعاقد من شركات الحماية، والتأمين أعتقد أنه بات أمراً مهماً يجب أن يدرك أهميته القائمون على تلك المؤسسات الحكومية والخاصة.. من خلال تخصيص ميزانيات لتعزيز تلك الحماية، للمحافظة على المصالح العامة والخاصة، وعلينا أن نبدأ في هذا الأمر من الآن، وأن نبدأ حملة توعوية عامة، تستهدف الجميع، تدعو إلى أهمية الحماية الإلكترونية، وأنها ليست ترفاً أو رفاهية، بل عمل أساسي ومهم، لابد أن نحطاط له، ونفعله بشكل جيد. * مختص في وساطة التأمين