دائماً ما أصاب بالإحباط والتعاسة واليأس حينما أرى أن أغلب استثمارات رجال الأعمال السعوديين تتمركز حول استثمارات في مولات تجارية أو مشروعات عقارية. ولعل مفهومي المتواضع حول هذه الاستثمارات أنها لا تساهم في خلق فرص وظيفية مناسبة بالشكل المطلوب أو في عملية اقتصادية وتنموية حقيقية داخل المملكة لأنها من وجهة نظري استثمارات وقتية. ودائماً ما أتساءل، لماذا لم نجد توسعاً حقيقياً في الاستثمارات الصناعية من قبل رجال الأعمال السعوديين لما لها من منافع كثيرة منها زيادة الصادرات من المنتجات السعودية و تقليل عمليه الاستيراد من الخارج لمنتجات كثيرة من السهل تصنيعها محلياً وكذلك المساعدة في خلق فرص وظيفية بشكل دوري؟ ولكي تتم الإجابة على هذا السؤال، فلابد بداية من تحليل وفهم الثقافة التجارية العامة داخل المملكة والتي تعتمد على عدة عوامل ومفاهيم استثمارية رئيسية. فنجد أن الغالب في الاستثمارات داخل المملكة تكون إما قصيرة أو متوسطة الأجل وذات مخاطر منخفضة. ولا يمكن أن نجهل بعض رجال الأعمال السعوديين الذين لديهم سياسة (النفس الطويل) للدخول في استثمارات طويلة الأجل وذات مخاطر عالية، خصوصاً من استثمر في المجال الصناعي. ودائماً ما نجد أن أغلب الاستثمارات داخل المملكة في القطاع الخدماتي بشكل عام بكافة أشكاله وأنواعه بالإضافة الي التوسع ألا محدود فيما يتعلق بالاستثمارات في المجال العقاري. ولعل هذه القطاعات معروفة بسرعة الحصول على الأرباح في مدة قصيرة جداً، وأنها تتميز بمخاطرها المنخفضة بالإضافة الى أن نسبة هامش الربح فيها عالية وتكاليف التشغيل ليست بالصعبة والمكلفة. وقد تكون تلك الحقبة الزمنية كانت تحتاج الى مثل هذه الأنواع من الاستثمارات من أجل تغطية الحاجة الماسة الي مشاريع تنموية سريعة وعاجلة في العديد من المجالات. إلا انه وفي ظل ضرورة تحقيق تطلعات وآمال رؤية 2030 ، أصبح من المستحيل على رجال الأعمال الاستمرار بهذه النظرة والثقافة التجارية والاستثمارية، بل ومن الضروري أن يكون هناك استثمارات مختلفة وبطريقة ليست كما كان متعارفاً عليها سابقاً. فلقد أصبح حتماً على رجال الأعمال غزو المجال الصناعي لكي تبقى وتيرة شركاتهم واستثماراتهم تعمل بنفس الطريقة وتحقق الأرباح المطلوبة والمعتادة لهم كما كانت سابقاً. ولعل ذلك يقودني الى تجارب ناجحه لبعض الدول والتي استطاعت اليى توجيه الاستثمارات داخلها لتكون في المجال الصناعي، ومنها تحديداً التجربة الماليزية. فلا يمكن بأي حال من الأحوال التركيز والاعتماد على جذب الاستثمارات الخارجية فقط، دون تشجيع حقيقي لرجال الأعمال المحليين للاستثمار بالمجال الصناعي. وكذلك لا يمكن أن يكون هناك ثورة صناعية دون وجود تحفيز وتوجيه حكومي قوي بهذا الاتجاه، ليس فقط عن طريق تجهيز مدن مخصصة لتلك الصناعات أو تيسير الإجراءات التأسيسية والتشغيلية أو حتي وجود محفزات تشريعية وضريبية وحسب، بل لابد من وجود خطط مدروسة بعناية لغزو تلك الصناعات وفقاً لاحتياجات الأسواق المحلية والعالمية. ولعلي أريد إرسال رسالة بضرورة التركيز على صناعة معينة كل مدة زمنية محددة عن طريق خطط مدروسة بعناية ووفقاً لاحتياجات السوق المحلية والعالمية، من أجل تحفيز رجال الأعمال للاستثمار بهذه الصناعة. ويمكن لصندوق الاستثمارات العامة أن يقوم على تجهيز دراسة جدوي اقتصادية لصناعة معينة، ومن ثم تأسيس شركة لهذه الصناعة وطرحها طرحاً عاماً، بحيث يُبقى على نسبة ملكية بسيطة داخل هذه الشركة لصالح صندوق الاستثمارات العامة. أو أن يكون هناك معرض كل 3 أشهر لجذب المستثمرين السعوديين يقوم على عرض العديد من الفرص الاستثمارية الصناعية والتي تمت دراستها وعمل دراسة جدوى اقتصادية لها وبحيث تكون جاهزة للتنفيذ، ويتم خلال هذا المعرض تجميع رؤوس الأموال من قبل رجال الأعمال السعوديين لبدء التنفيذ الفوري. لابد أن تكون هذه الصناعات موزعة على جميع أرجاء المملكة، لكي تصل التنمية الصناعية الى جميع المدن والقري السعودية، ولكي تساعد في خلق فرص وظيفية مناسبة لأبناء هذا الوطن وتساهم في عمليات التوطين داخل تلك المدن والقري. *أكاديمي ومستشار قانوني