كان هو من تلك الكوكبة التي جسرت المسافة بين صحافة الأفراد, وصحافة المؤسسات, صوت هدير آلة الطباعة التي بدأت داخل بيوت الرواد لم يخطئ آذانهم, فتنادوا وتقاطروا من كل مكان, يقودهم حدس فطري وأشواق غامضة للنظر في وجه سيدة البلاط ...الصحافة . هم الكوكبة التي أشرعت النوافذ والأبواب لتدخل رياح التغيير التي كانت تموج في العالم العربي, صحافة الأفراد واربت الباب للعالم الخارجي وظلت محتفظة بوقارها ولغتها الأدبية الرصينة مراعية مشاعر الذائقة التقليدية, التي لم تألف الجموح الصحفي. بينما هم استجابوا للاشتراطات المهنية لصحافة تحاول الاستقلال بصوت خاص بها وتنتبذ مكانا قصيا من المجتمع لتراه, وبدأت الرحلة بإمكانيات متقشفة ولكن بأحلام شاسعة واسعة . بدأوا قبل تأسس كليات إعلام في جامعات المملكة, ولكن لانستطيع أن نقول إنها كانت صحافة هواة, فقد صنعت من الداخل مواصفاتها ومقاييسها الفاخرة, ومجموعة يتقمصها الشغف فتركض من الصفحة الأولى إلى الغلاف الأخير 36 صفحة, دون أن يدركها التعب أخبار، تحقيقات, كتاب رأي , خبطات صحفية , أسماء ونجوم ...وشغب التابو المجتمعي . تركي السديري خطا خطوته الأولى هناك, وقد عزم أن لايتقهقر, ومن هنا كانت رحلته ملحمية, بدأت بصحيفة تطبع في منزل, وتصف صفحاتها من مصهور الأحرف, إلى صحيفة دولية طبعتها الأولى تتوازعها عواصم العالم عبر الألياف البصرية . وكان رباناً بطراز نادر، وإرادة لا تلين, رغم إن التحديات كانت شاهقة, لكن ظل تتلبسه أحلام طلائع النهضة العربية, وأولئك الذين كانوا يرون في الصحف قوافل الضوء التي ستجلب الزمان إلى المكان . ومن يريد من الباحثين أن ينقب في سيرة تركي السديري فليبحث عنها في جريدة الرياض نفسها, سيجد رؤاه وأحلامه وتجلياته يتحدث بها ومن خلالها, وبين يدي زاويته ( لقاء ) تدربت أجيال على فن المقال الصحفي. حتى في موقفه من المرأة وفي الوقت الذي كانت معارك تعليمها لم تهدأ بعد, برقت بواكير الأسماء النسائية فوق أعمدة الصحيفة, ولم يكتف بالعلاقة الحذرة المختزلة في مقال رأي يرسل للجريدة عبر الفاكس, بل هو أسس أول قسم نسائي يمارس مهنة المتاعب بجميع اشتراطاتها . بعد أن نشرت بضعة مقالات في جريدة الجزيرة , قبعت في تلك المنطقة الضبابية المبهمة, لم أكن قد حددت موقفي من الكتابة, ولا من الأسطر التي أكتبها واستأنس بها أحوال الكون,أرسلت له مقالا, فنشره, وطلب مني الالتزام بالكتابة الدورية في صحيفة الرياض, الالتزام الدوري صاغ علاقتي مع الحرف بشكل مختلف انبلج المضمار أمامي, وفي كل سطر بدأت أعرف نفسي قبل أن يعرفني القارئ. كل من عرفه يحمل في داخله خميلة امتنان وجميل, وذكرى عطره ... سيقال وسيكتب الكثير عنه, وسيظل أحد رواد التنوير في المملكة مر من هنا وصنع فرقا . * اسم أول زاوية دورية كتبتها في جريدة الرياض