ورحل الأستاذ.. رحل أستاذ جيل كامل من الصحافيين والإعلاميين السعوديين.. أستاذنا تركي بن عبدالله السديري انتقل إلى جوار ربه تاركاً وراءه سيرة عطرة ومواقف حفرت في ذاكرة الزمن، وإرثاً معرفياً ضخماً وتجربة إنسانية ومهنية ستظل لعقود طويلة شاخصة للعيان. رحل أستاذنا عنا بجسده دون فكره المستنير الذي نستلهم منه لنكمل مسيرة بدأها منذ عقود طويلة، هو حمّلنا أمانة ثقيلة ظل يحملها أكثر من أربعين عاماً رئيساً لتحرير «الرياض»، «الرياض» التي جمعت بينها وبين أستاذنا الراحل قصة عشق كنا شهوداً لها، «الرياض» لم تكن صحيفة بالنسبة للأستاذ تركي كانت هوى سكن روحه وجسده، ودماً جرى في شرايينه وعروقه واختلط بنبضات قلبه. أستاذنا الراحل الكبير بدأ حياته المهنية من قاعدة الهرم، بدأ صحافياً ميدانياً وتدرج حتى بلغ رئاسة تحرير «الرياض»، وحتى عندما كان رئيساً للتحرير لم يتخل أبداً عن مهنيته التي كان يعتز بها ويمارسها يومياً رغم الكم الهائل من المشاغل التي حملها على عاتقه، حب المهنة كان يسكن جنباته وشغفها كان يظهر بوضوح في لمعان عيونه، لم يكن أستاذنا إلا صحافياً متمرساً عرف مفاتيح المهنة وصال وجال في كل دهاليزها، لم يكن أنانياً محتفظاً بأسرار المهنة وأدواتها بل على العكس من ذلك كان كريماً في عطائه لم يبخل على الزملاء كل الزملاء بخبراته العريضة في المهنة والحياة بمجملها، غرس في كل صحافي أصيل حب مهنة الصحافة، نقل شغفها منه إلينا حتى أصبحت «الرياض» لما هي عليه الآن متصدرة المشهد الصحافي الوطني بل والعربي بكل اقتدار. رحيل الأستاذ تركي السديري عنا سيترك فراغاً لن يتم تعويضه أبداً، فصاحب النفس النقية والروح البسيطة في تعاملها، والعميقة في فكرها لن يكون بيننا بعد اليوم، لن نسمع صوته المميز منادياً علينا ليعطينا توجيهاته التي كنا نناقشه فيها فتكون الغلبة لفكره النير ومنطقه الواضح وبعد نظره الثاقب، بالتأكيد إننا في «الرياض» سنفتقد أستاذنا تركي السديري وفي ذات الوقت نعاهد ذكراه كما نعاهد قراءنا أننا سنسير على نهجه محققين رغبته الدائمة ان تكون «الرياض» رائدة متفوقة.