جدد عدد من الكتاب والمثقفين تأكيد خسارة المشهد الإعلامي السعودي برحيل تركي السديري، مؤكدين أنه آزر الصحافيين وعاضد الأقلام الشريفة، وفتح طرقاً مغلفة بالمناورة بين إضاءة القناديل وتعتيمها. وشدد هؤلاء في شهادات ل«الحياة» على حرص الراحل على تقديم العمل الإنساني قبل العمل الصحافي، مشيرين إلى أنه كان يقدم دروساً يومية في الصحافة وفي أخلاقيات الصحافي. إلى نص الشهادات: فوزية أبوخالد: إضاءة القناديل وتعتميها رحم الله الزميل العزيز تركي السديري فقد عاصر الصحافة وعاصرته في رخاء الوطن وشدته قرابة نصف قرن، وفتحت أجيال من كتّاب جريدة الرياض أول براعم حبرها على يديه. قابلته للمرة الأولى قبل ملاقاته لوجه ربه الكريم بوقت قصير، وكان ذلك الأب والإنسان الحيي الحنون. وإن لم أكتب أو أستكتب في حياته بجريدة الرياض بسبب بعض شروطها القاسية في احتكار الكتّاب، فلا بد من شهادة حق بأنه حاول بطريقته فتح بعض الطرق المغلقة بالمناورة بين إضاءة القناديل وتعتيمها. وكان من منجزاته تعيين مديرة تحرير بالطبع عن استحقاق. وكذلك فتح مكاتب صحافية للنساء الصحافيات على الطريقة السعودية التي لا تحجم ولا تقدم. بل إنه كان شديد التقدير للأقلام الشريفة، وإن لم يتطابق مع طرحها. وقد لمست ذلك منه بنفسي. إسهاماته الصحافية كعميد للصحافة السعودية لوقت طويل هي في ذمة التاريخ، وهو في ذمة الله، فلنسأل الله أن يحسن إليه ويكرم ضيافته. ولنرجو من الأحياء المهتمين وذوي الاختصاص أن يكتب تاريخنا الصحافي بشجاعة ونزاهة منصفة وموضوعية. شاعرة وكاتبة يوسف العارف: أسلوب رصين ... ومات «ملك الصحافة» كما نعته ذات حين ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، مات تركي السديري الذي تتلمذنا على حرفه أكثر من 30 عاماً، كنا نفاتح صباحاتنا بأسلوبه الرصين وألقه المحفز وبيانه المبين! كان تركي السديري مدرسة صحافية متكاملة، عطاء بلا حدود، وتطوير باستمرار، وتجديد مع تجويد. لا أعرف أن جريدة الرياض توقفت أو تعثرت، كانت صحيفة إخبارية/ تنويرية/ فكرية/ وثقافية، ترفع شأن الوطن عبر كتابها المنتقين بعناية وثبات، وأبوابها المحلية والدولية، وفضاءاتها المعرفية والثقافية، وكان تركي عرابها الأول وموجه بوصلتها نحو الأبرز والأجمل والأكمل، وكان تركي ربانها الماهر، رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وعزاؤنا للوطن والشعب والقيادة في رمز وطني صدق ما عاهد الله عليه حتى أناب رحمه الله. شاعر ميسون أبوبكر: غادرنا كبيراً عندما نتكلم عن تركي السديري فنحن نتكلم عن إعلامي قدير وعمود من أعمدة الصحافة. نتكلم عن تركي السديري تاريخ صحيفة الرياض، هذا الرجل حين لقائي به في برنامجي «من سوانح الذكريات» عبر القناة الثقافية – الذي أعيد عرضه بعد وفاته تكريماً له – أخبرني ببدايته الصحافية التي كانت عبر الصفحة الرياضية، ولم يكن يتخيل هذا الذي بدأ بشقاوة في المجال الرياضي أنه سيكون يوماً رئيس تحرير صحيفة من كبار الصحف السعودية (صحيفة الرياض). نثر ذكرياته في اللقاء، عن علاقته بالملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميراً للرياض، والكثير من المواقف الطريفة التي غالباً ما يواجهها بالعمل في سيدة الجلالة. أثناء لقائي بدا هذا الرجل الكبير القدير طفلاً يجري خلف الذكريات، بدأ كبيراً وغادرنا كبيراً تاركاً بصمته في فضاء الصحافة السعودية وعلى أوراقها، وكأني به وهو يشاهد صراع الورقي مع الإلكتروني، قال وداعاً بوجهها وقبل أن تتحول الصحافة الورقية إلى إلكترونية. تركي السديري نلوح له بكف القلب، فبعد أن سمعت خبر رحيله أبيت إلا أن أذهب إلى مبنى صحيفة الرياض وأقول إنك لم ترحل، وتركت أثراً باقياً في هذه المنظومة، وسيبقى في ذاكرة الصحف السعودية. إعلامية وشاعرة. جاسر الصقر: دروس مجانية في عالم الصحافة ما إن يمر اسم تركي السديري حتى تقف عنده، وتتجول في ذاكرتك وأنت تعيد مواقف قائد الصحافة السعودية والخليجية، الذي لا يبخل باستشارة ولا توجيه مهني فيه خدمة للصحافي ليقدم له درساً مجانياً في عالم صاحبة الجلالة. تركي السديري «ملك الصحافة» ليس فقط بالقلم بل بالإبداع والفكر والتنوير والتواضع والأخلاق الكريمة، التي كانت معيناً له في كسب محبة العاملين بجانبه ومن يرافقه ويقترب منه. السديري بنى إرثاً ثرياً ومعلماً بارزاً في عالم الصحافة، لم يكن تركيزه منصباً لمن حوله في مواقع الصحيفة، بل كانت المناطق الطرفية ومنها الحدود الشمالية من اهتماماته، كان يد خير في الحقيقة للوقوف بجانبنا وحثنا على العمل الإنساني، ويساند ويقف ليذلل كل العقبات لتمارس المهنة بكل صدقية بالاقتراب من المواطن والإحساس به ومواجهة المسؤول بكل أمانة لتضع حاجات المواطن أمامه من دون تحيز أو تميز. السديري قدم الكثير من الرموز الإعلامية التي تقف شامخة الآن في الدفاع عن الوطن والوقوف بجانب المواطن، وسيبقى قصصاً تروى للأجيال ومواقف لا تنسى. حدثني مرة من دولة البحرين ليثمن جهدي بمتابعة ملف السجناء السعوديين في سجون العراق، ويؤكد بأن ليس كل ما يعرف يكتب، وقال إن علي وضع الإنسانية والظروف المحيطة بالسجناء أمامي، وأن لا أبخل في مساعدة أسرهم وفي التواصل معهم ومع أي جهات رسمية أو حقوقية، قال لي كن معيناً لذويهم ولا تذهب للسبق الصحافي قبل الإنساني. تركي السديري لم يكن رئيساً كان أخاً حقيقياً لم تشغله هموم الصحافة عن علاقاته بزملائه. رحمك الله أبا عبدالله وأسكنك فسيح جناته. صحافي هيام المفلح: رحل لكن ذكراه ستبقى وفاة الإعلامي القدير تركي السديري خسارة كبيرة فجع بها الوسط الإعلامي في المملكة، فهو القامة الشاهقة التي تربعت على عرش الصحافة لأكثر من أربعة عقود تقلد فيها مناصب عدة. عاصر أجيالاً من الكتاب والمسؤولين وتخرج على يديه الكثير من رؤساء التحرير الشباب والصحافيين تعلموا في مدرسته الإعلامية، فكان لهم المعلم والناصح والأب الإنسان بكل مواقفه المهنية والإنسانية، ولا أحد ينكر كيف تفوقت جريدة الرياض تحت إدارته على جرائد المنطقة، وكانت ثمرة جهده وكفاح رفقاء دربه ممن عاصرهم وتعلموا منه. وحتى على الصعيد العربي والخليجي تحديداً كان له حضور كبير في كل الأحداث. كان عميداً للصحافة الخليجية ككل. تراه محللاً وموضحاً لسياسات بلده، يدلي بآرائه في قنوات فضائية لدول عدة مدافعاً عن مواقف المملكة، أو محللاً لأحداث جرت أو ستجري على الصعيدين المحلي والعربي. وفي كل جولات الملوك الذين عاصرهم كان معهم مرافقاً ومتابعاً وله احترامه لدى الجميع، وقد استحق فعلاً لقب «ملك الصحافة» الذي لقبه به المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز. تركي السديري رحل وغاب عنا، ولكن ستبقى ذكرياتنا معه، نحن الذين تشرفنا بالعمل تحت إدارته في جريدة الرياض، وكان لنا أباً وناصحاً ومعلماً، نسأل الله له الرحمة والمغفرة، ولأهله الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون. أديبة وإعلامية