قال أبو الطيب يصف فتاكته بنساء الأعراب: (كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَةٍ أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي) ولاأشك أن المتنبي يصف لنا مغامرات كاذبة لم تحدث! من نسج خياله الخصيب! والعجيب أنه يُعَبِّر عن تلك المغامرات المزعومة ب (كم) الدالة على الكثرة! وكأنّ الأعراب في منتهى الغفلة! وهم أحذر من غراب! يسهر منهم راصد خوفا على الحلال! أما الفراش فلا سبيل إليه! دونه خرط القتاد! .. لا.. ويقول : (أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ!) ياذئب!! الأعراب هم الذئاب وليس أنت! واحدهم (ينام بإحدى مُقْلتيه ويتّقي .. )! والعجيب أَنّ المتنبي وَصَفَ جولاته وصولاته في خيام الأعراب وبتلك الكثرة والفتاكة بعد أن وصفهم بشدة الغيرة والبأس وقوة الاحتراس والافتراس فهم يفتكون بالوحوش والبشر، ومن اقترب منهم بسوء فليبشر بحمّام الدم! إلّا حضرته! فهو لم يقترب فقط! بل زار خيامهم مراراً وتكراراً (كم)! لقد أخذته الصناعة (وخِدْعَةُ البلاغة) فختم قصيدته بهذا الزعم المفضوح! أعتقد أنه قال البيت الأول تمهيداً للثاني الذي أطرب البلاغيين حين رأوا فيه خمس مقابلات : الزيارة والانثناء والسواد والبياض والليل والصبح والشفاعة والإغراء ) ولكن كل هذا لا يشفع له بالكذب! لكنها الصناعة في قصيدته : (مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَ مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ قد وَافقوا الوَحشَ في سُكنى مَراتِعِها وَخالَفُوها بتَقْوِيضٍ وَتَطنيبِ فُؤادُ كُلّ مُحِبٍّ في بُيُوتِهِمِ وَمَالُ كُلِّ أخيذِ المَالِ مَحرُوبِ ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً أوراكُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَة أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي)