"حلوى الماكرون"، "خبر الباجييت" و"حساء لحم العجل" أطباق فرنسية لذيذة، لكنها وصفات معقدة، وتحتاج جهداً في التحضير ونفساً في الطهي، بيد أن الطاهية الأميركية الشهيرة "جوليا تشايلد" استطاعت أن تبسّطها وتجعلها في متناول اليد. في العام 1948م انتقلت جوليا إلى عاصمة "النور"، مع زوجها "بول" الذي كان يعمل في السفارة الأميركية، وهناك انبهرت بغنى وتنوع المطبخ الفرنسي، ومنذ الأسبوع الأول كانت تسأل عن مكونات الأطباق وأنواع الإضافات، وحتى تستفيد من وقت فراغها بدأت تعلّم أصول الطبخ الفرنسي رغم صعوبته جنباً إلى جنب تعلمها اللغة الفرنسية! والتحقت بمدرسة "لو كوردون بلو" للطهي، ورغم العقبات والصد، إلا أنها واصلت التعلّم بشغف وحب، ولم تكتف بذلك، بل التحقت بالطاهي الفرنسي المعروف "ماكس بوقنراد" لتتعلم منه عن قرب. الكثير من المكونات، والمدة الطويلة للطهي كانت أبرز العقبات، بيد أنها وخلال أشهر قليلة أضحت محترفة، كما لو كانت فرنسية المنشأ والتدريب، كل هذا قادها إلى الانضمام للنادي النسوي "صالون الذواقة"، وهناك تعرّفت على الفرنسيتين: "سيمون بيك ولويزت بيرثول"، اللتين كانتا تؤلفان كتاباً لتعليم الطهي الفرنسي للجمهور الأميركي، وما لبثتا أن دعتاها للمشاركة في التأليف وتبسيط الكتاب لربّة البيت الأميركية، ثم تطوّر الأمر بإنشائهن مدرسة "عاشقات الطعام الثلاث" لتعليم الطهي. بعد سنوات طويلة من الإضافة والتعديل ورفض دور النشر، صدر كتابهم الأسطوري "فن اتقان الطهي الفرنسي" عام 1961م في 726 صفحة! ليحقق نجاحاً منقطع النظير، نظراً لأنه توافق مع الاهتمام الأميركي الشعبي بالثقافة الفرنسية خلال الستينيات، ولأنه كان سهل القراءة، وفتح أمام العامة القدرة على طهي الأطباق الفاخرة والمعقّدة بسهولة، "جوليا" لم تكتف بذلك، بل انطلقت تكتب زاوية أسبوعية عن فنون الطهي في صحيفة "البوسطن غلوب" وغيرها. المثير في الأمر أن استضافة تلفزيونية عابرة لجوليا لشرح وصفة عجة البيض الفرنسية، فتحت الطريق لها لتقديم برنامج تلفزيوني مستقل بعنوان: "الطاهي الفرنسي"! ولعشر سنوات متتالية، ليحقق المركز الأول في برامج الطهي على مستوى أميركا. ليس هذا وحسب، بل أضحى برنامجها للطهي أول برنامج من نوعه يفوز بجائزة إيمي الشهيرة لبرامج ومسلسلات التلفزيون. استطاعت "جوليا" أن تحوّل شغفها إلى مصدر رزق وفير لها، والأهم من ذلك أنها استطاعت أن تبسّط أساليب الطبخ الفرنسية المعقدة وتجعلها سهلة لربة المنزل، ولعمق أثرها على أساليب الطبخ في أميركا، ها هو مطبخها يقف شامخاً وسط متحف "سميثسونيان" للتاريخ الأميركي، عرفاناً بالتقدير لإحدى أيقونات الثقافة الأميركية.