عند الحديث عن فن الطرب والغناء في المملكة العربية السعودية، لا يذكر من الفنانين إلا طلال مداح ومحمد عبده، وأحياناً يضاف لهما عبادي الجوهر وعبدالمجيد عبدالله وراشد الماجد. سنوات طويلة مرت دون أن يبرز بصورة فعلية فنان يتجاوز تلك الاسماء أو يصل لحضورهم الجماهيري، جريدة «الرياض» بدورها حاولت البحث عن أسباب ذلك وطرحت تساؤلاتها على عدد من المثقفين والنقاد الفنيين، لماذا خلت الساحة السعودية من الأصوات الجديدة؟ وهل هناك أسماء فرضت نفسها؟ ومن جانب آخر قد نعتبره الأهم لماذا لا يعترف أغلب المثقفين إلا بفيروز وطلال؟ يجمع عدد من المشاركين في هذا الملف أن مافيا الفن هي الطامة الكبرى التي يواجهها الفنانون اليوم فكم من موهبة قتلت في مهدها وكم من ناجح أسقطوه وكم من أعمال لم ترَ النور، كما يرون ان المتلقي شريك حقيقي في بروز أصوات جديدة ذات مستوى رفيع وعدم تقبله لما دون ذلك، ويؤكدون على أن غياب البيئة العلمية الأكاديمية الذي اضطرت معه الساحة الفنية المحلية التشبث بالاجتهادات الفردية التي أحيانا لا تميز وتعتمد على الذوق الشخصيهيمنة الفن المركزي سنوات طويلة ولم يظهر من يتجاوز مستوى وجماهيرية طلال مداح ومحمد عبده يقول الكاتب شتيوي الغيثي بقي الفنانون السعوديون في إطار المحلية ولم يستطيعوا الانتشار إلا خليجياً لتقارب الفن الخليجي بشكل عام، أما الفنانون الذين استطاعوا الانتشار خارج إطار المحلية وصنعوا اسماً فنيا عربياً فهم قد تجاوزوا فكرة المحلية من خلال تجاوز الفن الشعبي بمعنى أنهم لم يقصروا أدواتهم الفنية على الإطار المحلي، بل استفادوا من التجارب العربية خاصة لدى فناني المنطقة الغربية للمملكة كطلال مداح ومحمد عبده، إذ كان انتشارهم الفني جاء بتأثيرات عربية ولعل مصر كانت حاضنة التأثير الفني بوصفها مركزاً من المراكز الحضارية في حين بقيت بعض الفنون في الهامش لكونها ما استطاعت الاحتكاك بالمركز الحضاري تأثراً أو تأثيراً ويوضح أن ثنائية المركز والأطراف كانت حاضرة بقوة في الفن السعودي بمعنى أن الفن الذي اتصل بالمراكز العربية استطاع الحضور في حين بقيت فنون الأطراف في إطارها المحلي ولم تستطع كسر هيمنة الفن المركزي -إن صح التعبير- بل إن الأمر بقي على حاله نسبياً في تأكيد ثنائية المركز والأطراف، حتى بعد انتقال المركز من العام العربي إلى السعودية أو إلى الخليج بقي الفن السعودي محصورا في مدن المراكز وتأثيراتها على مدن الأطراف إلا من استطاع الخروج من هذه الثنائية بانتقال الهامش الفني إلى المركز كما حصل مثلاً مع سلامة العبدالله الذي انتشر لونه الشعبي، لكنه بالتأكيد لم يخترق إطار المحلية السعودية وإن اخترق إطار نجديته التي كان محصوراً فيها لكن هذا لم يصل إلى المستويات التي وصل إليها فنانو المركز ويؤكد الغيثي على أن ظروفاً أخرى كان لها التأثير في حضور بعض الفنانين السعوديين عن غيرهم مثل الدعم المادي وقدرتهم على التواصل مع الجماهير الخليجية والعربية بوصفهم يمثلون الفن السعودي إلى جانب تأثيرات التطورات الحضارية التي سارعت في إبراز فنانين عن آخرين، ويضيف قائلاً لقد بدأ الفن الكلاسيكي بالتلاشي في ظل فن الوجبات السريعة إن صح الوصف وهو في طبيعته فن لا يأخذ صفة الديمومة بل ينتهي مع الاستهلاك السريع للفن، إذ يصعب صمود أغنية مثلا أكثر من عام في حين مازلنا نسمع الكلاسيكيات الفنية ونتذوقها، إضافة على عدم وجود معاهد فنية يمكن أن تصقل الفنانين السعوديين كما هو متوفر لدى الدول الأخرى بل هي متروكة لاجتهادات الشركات الفنية أو الفنان نفسه، هذه كلها مجتمعة يمكن أن تعطينا سبباً في تلاشي القيمة الفنية لعدد من الفنانين السعوديين. أما عن عدم اعتراف أغلب المثقفين إلا بفيروز وطلال؟ يقول شتيوي الغيثي في ذلك: مشكلة المثقف السعودي أنه وضع لذاته أيقونات فكرية وأدبية وفنية محددة واعتبرها نموذجاً واقياً في حين تجاوزها الواقع كثيرا بحكم اتباعيته للذائقة العربية بوصفها ذائقة مؤثرة في تمركزها الحضاري على بقية الجغرافيا العربية. هذا التمركز الحضاري صنع تمركزاً فنياً وأدبياً وخلق نوعاً من النمذجة الفنية التي لا يجب أن يتجاوزها المتلقي، وهي مشكلة حقيقة جعلت النماذج المتفوقة الأخرى غائبة أو متأخرة عن النماذج الكبرى في البداية، أيضا الفن الشعبي هو الفن الذي له امتداده وقابليته الأكثر حضوراً على المستوى الأدنى من الشعب بمعنى أن هذا النوع من الفن كان ولا يزال معبراً عن الواقع الاجتماعي الذي يأخذ طابع التقليدية حتى في طريقة فنونه وإن تطورت هذه الفنون ودخلت كمكون رئيس في الفن الذي انتشر في العام العربي كما في سامريات محمد عبده مثلا، ولكن إشكالية الفن الشعبي أنه لا يمكن بسهولة أن ينتشر خارج الإطار المحلي. مافيا الفن من جهته يرى الناقد الفني يحيى مفرح أن غياب أصوات جديدة على الساحة المحلية لاعتبارات عديدة أهمها الإعلام والمتلقي ومافيا الفن، فالإعلام عندما كان يديره إنتاجاً القطاع العام كان المنتج الفني جيدا لكونه يخضع لفرز وتمحيص نتيجة توفر ضوابط معيارية لذلك. وعندما استلم القطاع الأهلي دفة الأمور خلط الحابل بالنابل لدرجة أننا اليوم لم نعد نفرق بين الجيد والسيئ، بل إننا اليوم بتنا نتذوق السيئ على أنه جيد نتيجة تكريسه وتوفره بكميات هائلة. ايضا المتلقي كان شريكاً حقيقياً في بروز الصوت الجديد لمستوى ذوقه الرفيع وعدم تقبله لما دون ذلك ورفضه لأي قادم للساحة لا يملك المواصفات الفنية المعروفة الكفيلة بسماعه، بينما اليوم حوصر المتلقي كثيراً وفرض عليه ما لا يريده واضطر لمتابعة المشاهدة والتهامه لأي مستهلك وافداً إلا ما رحم ربي. ويؤكد مفرح أن مافيا الفن هذه هي الطامة الكبرى التي يواجهها الفنانون اليوم، فكم من موهبة قتلت في مهدها وكم من ناجح أسقطوه وكم من أعمال لم ترَ النور وكم وكم وكم. ويقول إن الفنان طلال سلامة وهو الحائز على تأييد وإجماع الفنانين في الوطن العربي ممارسيه ومنتجيه ومراقبيه ونقاده. هو نموذج حي لما يحصل اليوم في ساحة الأغنية، أصوات رديئة يزج بها في الصدارة تجعر بالغناء، والجدير بالاهتمام يقبع في الظلام محاصراً بآراء شخصية لشيوخ المزاد لا علاقة للفن والصالح العام بها على الاطلاق. معتبرا طلال مداح وفيروز هما النموذجان الحقيقيان لما يجب ان يتحلى بهما الفنان في العصر الحديث، لكن ماهي علاقة المثقف السعودي بالفن فلم اجد من يناصر الفنان من الادباء والمثقفين لدينا إلا قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة أبرزهم سعيد السريحي فقدان البيئة العلمية الأكاديمية أما الكاتب محمد السحيمي فيرى في ظل غياب البيئة العلمية الأكاديمية من معاهد فنية وأكاديميات اضطرت الساحة للتشبث بالاجتهادات الفردية من الوجهاء الذين لا يميز بعضهم إلا (فلوسه) فيدعم أحدهم ما يعجبه ويوافق ذوقه ويفرض على الساحة ما يوافق بضاعته المتواضعة من الثقافة الفنية ومعظم تلك الاجتهادات الفردية تنتهي بفتور حماس أصحابها ومللهم، وخذ مثلًا الفنان إبراهيم عباس الذي دخل الساحة بدعم كبير وتسويق قوي فلما مات أكبر الداعمين له انطفأ المطرب إبراهيم عباس وأعلن في البداية تحوله إلى الإنشاد الديني في إشارة واضحة إلى عامل آخر خطير يجيب عن تساؤلك الأول وهو التيار الصحوي المتشدد الذي لم يسلم منه محمد عبده وعبدالكريم عبدالقادر وفهد بن سعيد وغيرهم قائمة طويلة وهو تيار لا يدعم أي نوع من الفن حتى الإنشاد وإنما يهدف إلى التخريب فقط وقد نجح كثيرًا لأن الهدم أسهل من البناء والزراعة في بيئة سبخة، أما تعلق المثقفين بطلال أكثر من محمد عبده فأعتقد أنها تعود إلى شخصيهما لا إلى إبداعهما؛ حيث عرف طلال بالتواضع والبساطة وروح النكتة بينما يبدو محمد عبده معتدًا بنفسه منذ تصريحه الشهير الذي عرف بعده ب(محمد فلتة) كما أنه لا يحسن التعبير عن أفكاره ما ينفر المثقفين منه، وأما فيروز فيعود تعلق المثقف السعودي بها لتزامن ظهورها مع المد القومي العربي حيث تمكن الأخوان رحباني من جعلها أيقونة لكل العرب مستفيدين من انكماش الفن المصري على الناصرية التي تورطت في شق الصف العربي ثم نكستها الأليمة في حرب 67 فلما عادت المياه إلى مجاريها كان جيل العمالقة قد انتهى في مصر بوفاة كوكب الشرق ولم تستطع الساحة العربية تقديم منافس لفيروز حتى هذه اللحظة. ليست ظاهرة سعودية خاصة الناقد والمخرج المسرحي علي السعيد يرى أنها ظاهرة ليست خاصة بالمملكة فقط بل في العالم العربي أجمع كل بلد له رموزه الفنية.. وفي الموسيقى والغناء لدينا طلال مداح ومحمد عبده. وفي مصر عبدالحليم وأم كلثوم وفي المغرب الدوكالي وبالخياط وفي اليمن المرشدي وفيصل علوي وفي الكويت شادي الخليج وعبدالكريم عبدالقادر، ظاهرة الثنائية في الرموز الغنائية فرضها الإعلام من اجل التسويق فنجد اختلاق قصص الخلافات والتنافس وغيرها وهذه لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية، فمن إيجابياتها تحفيز الفنان على مزيد من الإبداع والتألق لأنه سيشعر بأنه ليس وحيداً في الساحة. أيضا في السابق كان سوق الاسطوانات والكاسيت له تأثير في هذا التنافس من أجل تسويق المنتج الفني تجارياً. كل هذا لا يعني أن لا تظهر أسماء أخرى وألا تكون متميزة لكن التأطير حد من تخطيها الرموز، التي ساهم الإعلام في صنعها أو ساهمت المؤسسات الحكومية في وصولها لهذه النجومية. فمن جوانب التأطير تأطير الأغنية الشعبية. فرغم أهميتها كرافد أصيل للأغنية في أي بلد ومصدر أساس للألحان ينهل منه أي ملحن لإبداعات جديدة. إلا أن سلامة العبدالله (رحمه الله) كان حالة استثنائية، فقد كانت شعبيته كرمز للأغنية الشعبية السعودية امتدت ليس في كل أرجاء المملكة بل كافة أرجاء الخليج والجزيرة العربية، بل إنه كان المطرب الأول في قطر ونافسه في ذلك حمد الطيار -رحمه الله-. ولا يزال تأثيره حتى الآن فحفلات سوق واقف الغنائية الشعبية هي نتاج تأثير الأغنية الشعبية في قطر وبالذات سلامة والطيار. ومحمد عبده من أبرز من انتبه إلى تأثير الأغنية الشعبية على جماهيرية أي مطرب لذلك حرص أن يكون له نتاج فيها فظهرت سلسلة شعبيات وهي مجموعة من أروع الاغاني التي قدمها، أيضا من جوانب التأطير يضيف السعيد حصر بعض الفنانين بجوانب تميز معين، مثل عبادي الجوهر حينما لقب (ملك العود) وهو لقب مستحق لعبادي كونه مبدع في ذلك إلا أنه أطر نجوميته في ذلك حتى لا يتجاوز طلال ومحمد، الآن في الوقت الحاضر ومع ظهور وسائل الإعلام الجديد انفلت الزمام من الإعلام التقليدي وقلت سطوته، بل إنه في أحيان كثيرة أصبح أداة يوجهها الإعلام الجديد وفق بوصلته التي يرغب ولم تصبح وسائل الإعلام هي من تقود الجماهير بل العكس الجماهير هم من يقود الساحة. هذا أثر إيجابياً على الأغنية وعلى تواصل الرموز والفنانين مع جماهيرهم مباشرة دون وسيط. في تقديري أن هذا الأمر خلخل المفاهيم السابقة و جعل كل الاحصائيات والاستفتاءات تتوقف أمام سطوة اليوتيوب وقنوات الفنانين الخاصة وأعداد مشتركيها ومسجلي الإعجابات، ناهيك عن حسابات السناب شات الخاصة بكل فنان ومتابعيه أصبحت هي الحكم في قياس الجماهيرية والشعبية مثلما أصبحت وثيقة متاحة للجميع لا يمكن أن يخفيها أو يتلاعب بها أحد. كل هذا أدى إلى ظهور نجوم غناء يحضون بنجومية وشعبية وجماهيرية، لكن يجب أن نلاحظ مسألة ثقافية اجتماعية هامة، هي أن الشعوب تحتفظ في وجدانها برموزها وترفض أن تتنازل عن حبهم والاعتزاز بهم في مختلف المجالات، لذلك أعتقد أننا سنبقى عقوداً طويلة متمسكين في طلال مداح ومحمد عبده وسلامة العبدالله ومحمد علي سندي وطارق عبدالحكيم وحجاب بن نحيت وفهد بن سعيد وحمد الطيار (رحم الله من رحل منهم وأطال في عمر من بقي) أما تعلق المثقفين والأدباء والنقاد بفيروز وبطلال، حسمها السعيد بالقول هذه مسألة شخصية وذوق خاص وميول. أيضاً ليس هناك ما يثبت هذا الكلام. جلسة طرب عبادي الجوهر طلال سلامة محمد السحيمي هناك من يهدف إلى التخريب فقط وقد نجح! محمد علي سندي عبدالمجيد عبدالله شتيوي الغيثي مشكلة المثقف أنه وضع لذاته أيقونات فكرية وفنية عباس إبراهيم يحيى مفرح أغلب الفنانين الآن يواجهون مافيا الفن عبدالكريم عبدالقادر راشد الماجد سلامة العبدالله علي السعيد الشعوب لديها رموزها الفنية طارق عبدالحكيم