وصف فناننا الكبير محمد عبده في برنامج العراب الراحل طلال مداح بأنه كان من النوع النمطي التقليدي وبأنه هو -أي محمد عبده- كان من النوع المطوِّر الذي صنع هوية الأغنية السعودية. فمثل هذه المصطلحات: تقليدي، مطوّر وهوية سعودية؛ لا يجوز إطلاقها على عواهنها من دون توضيحٍ يشرح بدقة ما المقصود بها خاصة إذا ما كان الحديث عن مرحلة تاريخية هامة في الفن السعودي يمثلها بجدارة الراحل طلال مداح. كان مما قاله محمد عبده في ذلك اللقاء أن الأغنية السعودية كانت قبل دخوله الفن تدور في فلك المناطقية، فالأغنية الحجازية لا يسمعها إلا أهل الحجاز، وقل نفس الشيء عن الأغنية النجدية والجنوبية وبقية مناطق المملكة، ويضيف مؤكداً أن أغانيه ساهمت في تأكيد الهوية السعودية للأغنية وجعلها أكثر عمومية أو "مثقفة". يفهمها الجميع. وفي هذا تجاوز غير مقبول لأن مهمة صناعة هوية الأغنية لم تكن أبداً على عاتق المطرب أو المغني بل هي مهمة الملحن الذي يُشيد البناء الموسيقي بما يتواءم مع روح المكان، وهنا لابد أن يذكر فضل عمر كدرس ومحمد شفيق وسامي إحسان وطلال باغر وقبلهم طلال مداح نفسه على المقطوعات التي ألفوها والتي حملت الهوية السعودية بوضوح وطرب لها السعوديون عموماً. ولو كان الدور الذي قام به محمد عبده في صنع هوية الأغنية السعودية مؤثراً إلى هذا الحد فلماذا اختفت هذه الهوية بعد ابتعاد أولئك المبدعين رغم استمراره هو في الساحة الفنية؟. إن القول بأن طلال مداح نمطي تقليدي، أي أنه يسير على نمط من سبقوه ويقدم أغانيَ لا تتجاوز حدودها الجغرافية، هو رأي تكذبه الشواهد التاريخية، فالمعروف عن طلال أنه وضع لحن أغنيته الشهيرة (في سلم الطايرة) التي اخترقت الحدود وشاعت حتى في أعماق الصحراء النجدية وكان هذا في العام 1964أي في الفترة التي بدأ فيها محمد بالغناء. هذا مثال واحد فقط وهناك غيره من الأمثلة التي تؤكد استثنائية المرحلة الطلالية والدور المؤثر الذي لعبه طلال مداح في مسيرة الأغنية السعودية، هو وفوزي محسون وعبدالله محمد وطارق عبدالحكيم. محمد عبده ستكون له إطلالة جديدة ظهر اليوم عبر إضاءات قناة العربية سيفند فيها ويعتذر عن بعض الآراء التي طرحها في العراب فهل سيكون من ضمن ما سيتراجع عنه رأيه في طلال مداح؟ وهل سيوضح ماذا يقصد بتلك المصطلحات التي أطلقها بلا تركيز؟.