دعونا نتحدث عن درر ثمينة لأنها تمس واقعنا اليوم، فنحن بحاجة لها أكثر من أي وقت مضى، وقد وضع الدكتور علي الصلابي يده على الجرح، فأخبرنا عن رؤيته الثاقبة قائلا: سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً؟ فقال الرّجلُ: أجل. فقال عمر: اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه. كان ابن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا، وينهشُ عرض ذاك! كان يؤمنُ أنّ التّديّنَ الذي لا ينعكسُ أثراً في السُّلوكِ هو تديّنٌ أجوف! إندونيسيا لم يفتحها المحاربُون بسيوفهم وإنما فتحها التُّجارُ المسلمونَ بأخلاقهم وأماناتهم! فلم يكونوا يبيعون بضائعهم بدينهم، لهذا أُعجبَ النّاسُ بهم وقالوا: يا له من دين! الإيمان الكاذب أسوأ من الكُفر الصّريح. وفي كليهما شرّ! والتعاملُ مع الآخرين هو محكُّ التّديّنِ الصحيح. إذا لم يلحظ الناسُ الفرقَ بين التّاجر المتديّنِ والتّاجرِ غير المُتديّن فما فائدة التّدينِ إذاً. وإذا لم تلحظ الزّوجةُ الفرقَ بين الزّوجِ المُتديّنِ والزّوجِ غير المتديّنِ فما قيمة هذا التّديّن. والعكس بالعكس! وإذا لم يلحظ الأبوان الفرق بين برِّ الولد المُتدَيّنِ وغير المُتدَيّنِ فلماذا هذا التّديّن! مصيبةٌ أن تكون الصلوات حركاتٍ رياضية تستفيدُ منها العضلاتُ والمفاصلُ ولا يستفيدُ القلب! مظاهرُ التّديّنِ أمرٌ محمود، ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً. ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون. فالدّينُ الذي حوّل رعاة الغنمِ إلى قادةٍ للأممِ لم يُغيّر أشكالهم وإنّما غيّر مضامينهم. هل أدركنا ماذا يريد منا ديننا؟ إنه العبادة بمفهومها الشامل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.