معلوم في علم الاجتماع أن الإنسان مدني بطبعه؛ ولذلك تجده يتحلى بأخلاق المجتمع في ظاهره، ويحاول أن يغطي بعض الأخلاق السيئة والصفات السلبية أمام الناس، فإذا اختلى بنفسه تعامل على صفاته الحقيقية، وأخلاقه التي جُبل عليها. ومن هذه الحقيقة النفسية والاجتماعية لا يمكن الحكم على الشخص، وأخلاقه، وآدابه، وصفاته، حكماً حقيقياً، من خلال تعاملاته الظاهرية، وتصرفاته المعلنة أمام المجتمع في المسجد، أو الاجتماعات العابرة؛ لأنها في الغالب الأعم من الصفات التي يتكلفها الشخص، ويتظاهر بها أمام الناس. ولهذا فإن الحكم على حقيقة أخلاق الشخص - رجلاً كان أو امرأة - إنما يكون بالمخالطة الطويلة، والعشرة الحقيقية التي تزيل المساحيق التجميلية، وتنزع الأقنعة المصطنعة؛ لتتكشف الحقائق. وهذا أمر قد نبه عليه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه. فعندما شهد رجل عند عمر، قال له: لست أعرفك، ولا يضرك ألا أعرفك، فأت بمن يعرفك. فقال رجل من القوم: أنا أعرفه. فقال عمر: بأي شيء تعرفه؟ قال: بالعدالة والفضل. قال: فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا. قال: فهل عاملته بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا. قال: فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: لست تعرفه. ثم قال للرجل: ائت بمن يعرفك. هذه القصة الرائعة غنية عن أي تعليق، ويؤخذ منها - كما تدل عليه التجارب العملية - أن من أهم الأمور التي تكشف عن حقائق الناس وأخلاقهم الحقيقة: المصاهرة والزواج؛ فبعد الزواج تظهر حقائق الزوج للزوجة، وحقائق الزوجة للزوج، وحقائق الأصهار، سواء من طرف الزوج أو من طرف الزوجة، بما لا يدع مجالاً لأي تزويق، أو تجميل. لكن في بعض الأحيان تكون الحقائق صادمة ومروعة، بعد أن وقعت الفأس في الرأس، فيظهر الزوج الشاب الذي كان حملاً وديعاً، ومتحلياً بمكارم الأخلاق من الكرم والأدب، وحسن الخلق، يظهر على حقيقته، فإذا به ذئب غدار، قليل الأدب، وعديم التربية، لا يرحم صغيراً، ولا يوقر كبيراً.. وكذلك الشأن في الزوجة الشابة. ولهذا يجب عدم الحكم إلا بعد التحقق التام، والمعاشرة والمخالطة، أما بغير ذلك فكثيراً ما تكون الأحكام خاطئة، وتؤدي إلى نتائج وخيمة.